والرابع: شهادة الوصي فيما هو وصي فيه
قال: «والوصي فيما هو وصي فيه»(1).
أقول: لو أوصى الميت إلى أحد بأن يصرف ثلث ماله في كذا، فوقع النزاع في شيء من الأموال، فإن كان المال للميت كان للوصي الولاية على ثلثه بحسب الوصية، وإلا كان كلّه لمن يدّعي ملكيته، فهل تقبل شهادة الوصي بكون المال للميت أولا تقبل؟
قال المحقق قدّس سرّه: بعدم القبول، لأن أثر هذه الشهادة دخول المال في ولايته، فيعمها ما دلّ على عدم قبول الشهادة في شيء يكون للشاهد فيه نصيب.
وفصّل بعضهم: بأنه إن كان الموصي قد عيّن للوصي شيئاً من الثلث مثلاً في مقابل قيامه بالوصية، ردّت شهادته، لكونها مصداقاً لجرّ النفع، وإن لم يكن له شيء بأزاء سعيه قبلت.
قلت: هذا يتوقف على تمامية ظهور «النفع» في النفع المالي الدنيوي، وانصرافه عن النفع الاُخروي، أو الولائي، وإلا لم يتم التفصيل.
وقيل: بالقبول إذا لم يكن له شيء، بشرط أن لا يكون الوصي مدّعياً، لكن الوصي وكذا الوكيل يقومان مقام الموصي والموكّل في الدعوى مسامحة عرفيّة.
قلت: نعم، الوصي ينزّل بمنزلة الموصي وكذا الوكيل بالنسبة إلى موكّله في كلّ ما يقبل الوصاية والوكالة، لكن الشهادة ليست من الامور القابلة لذلك، فلا ينزل منزلته فيها، حتى يكون شهادته منزلة بمنزلة شهادة الموصي والموكّل فلا تقبل شهادته.
والذي يمكن أن يقال في وجه عدم قبول الشهادة هو: إن ولاية هذا الوصي على هذا المال متقومة بأمرين، أحدهما: كون المال ملكاً للميت، والآخر: كونه وصيّاً من قبل الميت في هذا المال، فإذا انتفى أحد الأمرين انتفت ولايته على المال، وعلى هذا، فإذا شهد بكون المال للميت، فهو في مقام إثبات الولاية لنفسه على هذا المال، وهذا نفع، فلا تقبل هذه الشهادة.
وكذا الأمر لو ادّعى أحد الورثة مالكيّة الأب للمال وشهد الوصي بها، فلا تقبل هذه الشهادة خلافاً للجواهر لأنه وإن تعدّد المدّعي والشاهد، لكن لازم شهادة الوصي ثبوت ولايته على المال، وهي لا تثبت بشهادة مدّعيها كما عرفت.
فتلخص: أنه لا فرق في عدم القبول، بين أن يشهد الشاهد في نفع، أو بشيء يحقق موضوع النفع، كما هو الشأن في شهادة الوصي فيما هو وصي فيه، سواء كان له أجر على الوصية أو لا، وكذا لا فرق بين أن يكون وكيلاً أو وصياً في الدعوى أو لم يكن.
هذا كلّه بقطع النظر عن مكاتبة الصفار إلى أبي محمد عليه السلام: هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع: «إذا شهد معه آخر عدل، فعلى المدّعي يمين»(2) وظاهرها كون المدعي غير الوصي، فإذا شهد الوصي مع عدل آخر قبلت، وأما اليمين، فلعلّها للإستظهار والإحتياط، وكيف كان، فالشهادة مقبولة.
لكن في (كشف اللثام): «ليس فيه إلا أن عليه الشهادة، وأمّا قبولها فلا»(3)ولعلّه قال ذلك بالنسبة إلى جواب السؤال الثاني في المكاتبة: وكتب: أيجوز للوصي أن يشهد لوارث الميت صغيراً أو كبيراً، وهو القابض للصغير وليس للكبير بقابض؟ فوقّع عليه السلام: «نعم، وينبغي للوصي أن يشهد بالحق ولا يكتم الشهادة»(4) من جهة أن السؤال والجواب عن الجواز لا القبول.
لكن الظاهر هو القبول، ويشهد بذلك قوله: «وينبغي…» وإلا لغا الأمر بالشهادة والنهي عن الكتمان.
وبالجملة، فإن الخبر ظاهر في القبول، ولا أقل من ظهوره في القبول في صورة التعدّد عرفاً بين الشاهد والمدعي التي قال صاحب (الجواهر) فيها بالقبول(5).
إلا أن الإشكال هو إعراض الأصحاب عن العمل به كما هو صريح صاحب (الجواهر)(6).
فالأقوى عدم القبول.
هذا كلّه في شهادة من يجرّ بشهادته نفعاً.
(1) شرائع الإسلام 4 : 129.
(2) وسائل الشيعة 27 : 371/1 . كتاب الشهادات ، الباب 28.
(3) كشف اللثام 10 : 304 .
(4) وسائل الشيعة 27 : 371/1 . كتاب الشهادات ، الباب 28.
(5) جواهر الكلام 41 : 68.
(6) جواهر الكلام 41 : 69.