البحث الثاني: في بغضة المؤمن
وأما بغضة المؤمن، فالكلام فيها كالكلام في الحسد، وعندنا أنها صفة من الصفات القلبية، قد تكون اختيارية وقد تكون غير اختيارية، ومن قال بحرمتهامن دون تظاهر فقد جعلها من الأفعال القلبية أو أراد الاختيارية منها كما هو الأظهر.
إلا أنه لا ريب في قدح التظاهر بها في العدالة، وسقوط الشهادة به، وفي (المبسوط): إنه إن ظهر منه سب وفحش فهو فاسق، وإلا ردّت شهادته للعداوة(1).
واستدل للحرمة في (كشف اللثام) و (الجواهر) بما ورد من الأمر بالتحابّ والتعاطف، والنهي عن التعادي والتهاجر(2)، وفي (شرح الإرشاد) إنه لم يرد نهي صريح عن البغضة(3).
والصحيح ورود النهي الصريح عنها، على أنه إذا كان التحريم من جهة الأمر بالتحاب والتعاطف، لزم القول بوجوب ذلك حتى يحرم التباغض لكونه تركاً للواجب، مع أن أحداً لا يفتي بحرمة الترك المذكور، وليس التحاب والتباغض ضدين لا ثالث لهما.
ونحن نذكر هنا بعض النصوص من كلتا الطائفتين:
1 ـ عمر بن يزيد: «عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ما كاد جبرئيل يأتيني إلا قال: يا محمد اتّق شحناء الرجال وعداوتهم»(4).
2 ـ مسمع بن عبد الملك: «عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في حديث: ألا إن في التباغض الحالقة، لا أعني حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين»(5).
وهذا الخبر المشتمل على لفظة «التباغض» سنده معتبر.
3 ـ شعيب العقرقوفي: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأصحابه: إتقوا الله وكونوا اخوة بررة، متحابين في الله، متواصلين، متراحمين، تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه»(6).
4 ـ أبو المغرا: «عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل، والتعاون على التعاطف، والمواساة لأهل الحاجة، وتعاطف بعضهم على بعض، حتى تكونوا كما أمركم الله عزّوجلّ (رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)(7) متراحمين مغتمين لما غاب عنهم من أمرهم، على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم»(8).
هذا، وقد ذكروا أن ما يجده الإنسان من الثقل من بعض إخوانه لبعض أحوال أو أفعال أو لغير ذلك، ليس من البغض، فإنه لا ينفك عنه أحد من الناس، واستثنوا من البغضة العداوة لأمر ديني فقالوا بأنها غير محرمة.
ومن ذلك كلّه يظهر: أن البغضة المحرّمة ليست مطلق الكراهيّة والاستثقال، بل المراد بغض المؤمن وهجره عن عداوة، وفي بعض الأخبار ما يؤيد ذلك .
ثم إنه يمكن أن يقال باستقلال العقل بقبح بغض المؤمن من غير مجوز، وأن الأدلّة الشرعية إرشاد إلى هذا الحكم العقلي.
(1) المبسوط في فقه الإمامية : 8/227 ، وعنه كشف اللثام 10 : 299 ، وجواهر الكلام 41 : 53.
(2) كشف اللثام 10 : 298 ، جواهر الكلام 41 : 52.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 12 : 346 . وفيه : وأما الأخبار الدالّة على تحريم بغض المؤمن التي ادعي استفاضتها ، فليس يحضرني الآن شيء منها.
(4) وسائل الشيعة 12 : 238/1 . أبواب أحكام العشرة ، الباب 136.
(5) وسائل الشيعة 12 : 240/7 . أبواب أحكام العشرة ، الباب 136.
(6) وسائل الشيعة 12 : 215/1 . أبواب أحكام العشرة ، الباب 124.
(7) سورة الفتح 48 : 29.
(8) وسائل الشيعة 12 : 215/2 . أبواب أحكام العشرة ، الباب 124.