المبحث الأول: لبس الحرير
أ ـ لا ريب ولا خلاف في حرمة لبس الحرير المحض للرجال عدا ما استثني، بل عليه الإجماع في (المسالك) وغيره(1)، بل عليه إجماع علماء الإسلام ونصوصهم كما في (الجواهر)(2) و (كشف اللثام)(3). وهذه طائفة من النصوص الدالّة على ذلك من أخبارنا.
1 ـ محمد بن مسلم: «عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا يصلح لباس الحرير والديباج، فأما بيعهما فلا بأس»(4).
2 ـ أبو الجارود عن أبي جعفر: «إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لعلي عليه السلام: إني اُحبّ لك ما اُحبّ لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي، فلا تختّم بخاتم ذهب ـ إلى أن قال ـ ولا تلبس الحرير، فيحرق الله جلدك يوم تلقاه»(5).
3 ـ جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام: «إنه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج، ويكره لباس الحرير…»(6).
والكراهة محمولة على التحريم في الحرير، بقرينة الخبر المتقدم عليه.
4 ـ مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد عن أبيه: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نهاهم عن سبع منها: «لباس الاستبرق والحرير…»(7).
ويدلّ على الحرمة ما دلّ على جواز لبسه في الحرب والضرورة، وما دلّ على جواز لبس الحرير غير المحض، وما دلّ على جواز لبسه للنساء،… كما سيأتي.
وأما ما كان ظاهراً في خلاف ذلك، فمحمول على الحرير غير المحض، أو على التقية.
ب ـ ظاهر المحقق قدّس سرّه هنا وفي (النافع) والعلامة في (القواعد) و (التحرير)(8) كون اللبس معصية كبيرة، فلا يشترط الإصرار والمداومة على اللبس، وذلك لأن كلّ معصية توعّد عليها النار فهي كبيرة، وقد ورد ذلك بالنسبة إلى لبس الحرير في بعض الأخبار(9).
هذا بالنسبة إلى اللبس.
وأما الصلاة فيه للرجال، فإن كان ممّا تتمّ فيه الصلاة، فالحكم هو عدم الجواز ، إجماعاً كذلك، وإلا ففيه خلاف، كما سيأتي.
وأما حكم التكأة عليه، والافتراش له… فسيأتي أيضاً.
ج ـ وبقيد «المحض» يخرج غير المحض، فلا ريب في جواز لبسه والصلاة فيه، قال المحقق قدّس سرّه: «وإذا مزج بشيء، مما يجوز فيه الصلاة حتى خرج عن كونه محضاً، جاز لبسه والصلاة فيه، سواء كان أكثر من الحرير أو أقل منه»(10) قال في (الجواهر) بشرحه: بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل الثاني منهما مستفيض كالنصوص، أو متواتر(11)، ومن النصوص الصريحة في ذلك:
1 ـ عبيد بن زرارة: «عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بلباس القز، إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتان»(12).
2 ـ إسماعيل بن الفضل: «عن أبي عبد الله عليه السلام في الثوب يكون فيه الحرير. فقال: إن كان فيه خلط فلا بأس»(13).
3 ـ زرارة: «سمعت أبا جعفر عليه السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء، إلا ما كان من حرير مخلوط بخز، لحمته أو سداه خز، أو كتان أو قطن…»(14).
4 ـ يوسف بن ابراهيم: «عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزرّه وعلمه حريراً، وإنما كره الحرير المبهم للرجال»(15).
د ـ وقد وقع الكلام في حكم لبس ما نسج نصفه حريراً محضاً، ونصفه الآخر غير حرير، فقد أفتى السيد في (العروة) بعدم الجواز(16)، والأقوى هو الجواز ، لأن المستفاد من الأدلة حرمة الحرير المحض، أو المبهم، أو المصمت، على اختلاف العناوين الواردة فيها، والتي لا يصدق شيء منها عرفاً على هذا الثوب.
فإن شك في الجواز، فإن الأصل الأولي في لبس كلّ لباس هو الجواز، ثم خصص ذلك بأدلة حرمة لبس الحرير المحض، ومع الشك في شمول دليل المخصص لما خيط أو نسج بهذه الكيفية، يكون العام هو المرجع ويحكم بالجواز.
وإن كان العام ما دلّ على حرمة الحرير، ثم خرج منه الحرير غير المحض، فمع الشك في صدق غير المحض على هذا الثوب، كان المرجع أدلّة حرمة الحرير.
لكن الأظهر هو الأول، وهو كون المرجع عمومات جواز مطلق اللبس، فيجوز لبس هذا الثوب.
ولو شك في أنه من الحرير أو غيره ومن هذا القبيل اللباس المتعارف في زماننا المسمى بالشعري لمن لم يعرف حقيقته جاز لبسه، للشك في شمول الأدلة له.
ولو شك في أنه حرير محض أو ممتزج، قال السيد في (الوسيلة): الأحوط الاجتناب، لكن الأقوى عند السيد الاستاذ عدم وجوبه، كما ذكر في حاشيتها(17)، لجريان البراءة، نعم، هو لازم بالنسبة إلى الصلاة فيه بناءاً على شرطية غير الحرير فيها.
هـ ـ استثني من الحرمة، اللبس في حالين:
(1) مسالك الأفهام 14 : 185 ، مجمع الفائدة والبرهان 12 : 374 ، كفاية الأحكام 2 : 753 .
(2) جواهر الكلام 41 : 53.
(3) كشف اللثام 10 : 296 ، و3 : 215.
(4) وسائل الشيعة 4 : 368/3 . أبواب لباس المصلي ، الباب 11.
(5) وسائل الشيعة 4 : 368/5 . أبواب لباس المصلي ، الباب 11.
(6) وسائل الشيعة 4 : 370/9 . أبواب لباس المصلي ، الباب 11.
(7) وسائل الشيعة 4 : 371/11 . أبواب لباس المصلي ، الباب 11.
(8) قواعد الأحكام 3 : 495 ، تحرير الأحكام 5 : 251 ، المختصر النافع : 279.
(9) أقول: المراد خبر أبي الجارود المتقدم. وذهب المقدس الاردبيلي وتبعه السبزواري في الكفاية وصاحب الرياض إلى العدم. قال الأخير: « وفيه إشكال، إذ لا يستفاد من أدلة المنع كونه من الكبائر، وإنما غايتها إفادة التحريم وهو أعم منه، والأصل يلحقه بالصغير، فالوجه عدم رد الشهادة بمجرد اللبس من دون إصرار ومداومة، كما نبه عليه المقدس الاردبيلي رحمه الله، وتبعه صاحب الكفاية فقال: ولعل قدحه في الشهادة باعتبار الإصرار، وربما يفهم منه كون ذلك مراد الأصحاب ومذهبهم أيضاً، وهو غير بعيد، ولا ينافيه إطلاق عبائرهم، لقوة احتمال وروده لبيان جنس ما يقدح في العدالة من دون نظر إلى اشتراط حصول التكرار والاكتفاء بالمرة الواحدة، وإنما أحالوا تشخيص ذلك إلى الخلاف في زوال العدالة بكل ذنب أو بالكبائر منها خاصة … » رياض المسائل 15 : 272 ، كفاية الأحكام 2 : 753 ، مجمع الفائدة والبرهان 12 : 376.
قلت: إن خبر أبي الجارود يستفاد منه كونه من الكبائر، ومعه لا مجال للرجوع إلى الأصل، وإن كان كونه ملحقاً إياه بالصغائر محل بحث، وأما احتمال كون ذلك مراد الأصحاب فيخالف ظواهر عبائرهم، كاحتمال ورودها لبيان جنس ما يقدح في العدالة، فقد ذكر المحقق مثلاً أن الحسد معصية وكذا بغضة المؤمن ثم قال: والتظاهر بهما قادح في العدالة.
إنما الكلام في سند الخبر المزبور، فأبو الجارود وهو زياد بن المنذر قال في تنقيح المقال: لم يوثقه أحد من الرجاليين، بل هو مذموم أشد الذم لكنه من رجال كامل الزيارات وتفسير القمي. على أن الخبر رواه الصدوق بإسناده إليه، وطريق الصدوق إليه ضعيف، وإن كان الظاهر تمامية سند الخبر في العلل.
فالخلاف في المقام مبني على اعتبار الخبر وعدمه، بعد الخلاف الكبروي الذي أشرنا إليه في نظير المقام فيما تقدم.
(10) شرائع الإسلام 1 : 69.
(11) جواهر الكلام 8 : 135.
(12) وسائل الشيعة 4 : 374/2 . أبواب لباس المصلّي ، الباب 13.
(13) وسائل الشيعة 4 : 374/4 . أبواب لباس المصلّي ، الباب 13.
(14) وسائل الشيعة 4 : 374/5 . أبواب لباس المصلّي ، الباب 13.
(15) وسائل الشيعة 4 : 375/6 . أبواب لباس المصلّي ، الباب 13.
(16) العروة الوثقى : 2/345 ، المسألة 27.
(17) وسيلة النجاة 1 : 151 ، المسألة 18.