7 ـ الذكورة:
قال المحقق قدّس سرّه: « ولا ينعقد القضاء للمرأة وإن استكملت الشرائط » .
أقول: قد ادعي عدم الخلاف بل الإجماع على عدم انعقاد القضاء للمرأة .
واستدلّ بوجوه:
الأوّل: قوله تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء )(1) ، فإنه ظاهر في قيموميّة الرجال على النساء، ولازمها سلطنة الرجال وحكومتهم عليهن دون العكس.
فإن قيل: الآية واردة في مورد الزوجين.
قلنا: وهل يجوز أن لاتكون المرأة ذات سلطنة في شئونها مع زوجها، وتكون لها السلطنة في خارج دارها وعلى غير زوجها من الرجال ؟
فإن قيل: الآية المباركة تنفي ولاية النساء على الرجال، وأي مانع من ولاية المرأة على النساء ؟ أمكن الجواب: بأن ذلك مقتضى الإجماع المركّب.
(بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض )(2) قال الفاضل الجواد قدّس سرّه:
« أي : الرجال على النساء، وذلك بالعلم والعقل وحسن الرأي والتدبير والعزم ومزيد القوة في الأعمال والطاعات والفروسية والرمي، وأن منهم الأنبياء والأئمة والعلماء، وفيهم الإمامة الكبرى وهي الخلافة، والصغرى وهي الإقتداء بهم في الصلاة، وأنهم أهل الجهاد والأذان والخطبة . إلى غير ذلك مما أوجب الفضل عليهن.
قال في الكشاف: وفيه دليل على أن الولاية إنما تستحق بالفضل لا بالتغلب والإستطالة والقهر(3).
قلت: هذا مما أجراه الله على لسانه، فإنا لم نجد فيمن تقدّم على علي عليه السلام ـ بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فضيلة يستحق بها الولاية ، كما عرف في محلّه »(4).
ولا ريب في أن جهات الفضيلة موجودة في نوع الرجال ـ سواء في ذلك الصفات الخلقيّة والخلقية ـ وليست في نوع النساء.
ويشهد بذلك ما ذكره الفاضل المذكور ، من أن فيهم النبوة والإمامة والولاية ، ولم نجد إلى الآن انعقاد القضاء لامرأة، ولو كان ذلك جائزاً لتصدّى له بعض النساء الفاضلات، كالصدّيقة الطاهرة وعقيلة بني هاشم عليهما السلام، ولو بالنسبة إلى النساء خاصّة، بل إن حضور النساء عند القاضي الرجل ـ في حال جواز انعقاده لامرأة ـ مرجوح مرغوب عنه شرعاً.
على أنا قد استشكلنا في إمامة المرأة للنساء واقتدائهنّ بها في الصّلاة، لعدم وجود دليل معتبر يدلّ عليه(5).
هذا ، والآية نازلة بعنوان حكم إلهي في قضية ، رواها الشيخ أبو علي الطبرسي(6).
وهي تدلّ على أن للرجال الولاية على النساء، وليس لهنّ عليهم ولاية.
فهي مخصّصة لعمومات الحكومة بالعدل(7).
الثاني ـ قوله تعالى: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ ) ، فإن هذه الآية ظاهرة في أن للنساء على الرجال حقوقاً ، ولكن ( لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ )(8).
الثالث ـ قوله تعالى: ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ )(9) واستلزام تصدّي المرأة القضاء للخروج عن البيت وإسماع صوتها الرجال وغير ذلك من الامور المنهي عنها في الشرع، في غاية الوضوح، وتعيير الأصحاب والصحابيّات عائشة بنت أبي بكر على خروجها من بيتها إلى البصرة ـ من هذه الجهة ـ ونهيهم إيّاها عن الخروج وتذكيرهم لها بأمر الله وحكمه بأن تقرّ في بيتها، مشهور.
الرابع ـ قوله عليه السلام في معتبرة أبي خديجة: « أنظروا إلى رجل » .
لا يقال: إنه ليس للرجل موضوعيّة، لأنه لا يمكن إلغاء الخصوصيّة في مثل هذا المقام، وأن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي الموضوعيّة، فالرواية هذه مقيّدة للروايات المطلقة إن لم تكن منصرفة عن النساء.
الخامس ـ ما ورد في وصية النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لأمير المؤمنين عليه السلام المروية في ( الفقيه ) ، بإسناده عن حماد بن عمرو وأنس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام: « يا علي ليس على المرأة جمعة ـ إلى أن قال ـ ولا تولّى القضاء »(10) ، وهذا النفي وضعي كما لا يخفى.
والرواية وإن كانت غير تامة سنداً(11) ، إلا أن رواية الأصحاب لها واستدلالهم بها يجبر ضعفها ، كما تقرّر هذا المعنى بالنسبة إلى حديث « على اليد.. » ونظائره.
وربما يقال: إن قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم « ليس على النساء.. ولا تولّى القضاء » لا يدلّ على المنع، بل ظاهره عدم الوجوب.
وفيه: ليس الأمر كذلك في كلّ مورد، فإن هناك موارد جاء فيها : « ليس على.. » بمعنى « لا يجوز. . ».
السّادس ـ النبوي « لا يفلح قوم وليتهم امرأة »(12).
السّابع ـ ما عن مكارم الأخلاق: « إن إلاقامة للصّلاة.. ولا تتولّى المرأة القضاء »(13) ، وهي مطلقة تعم الحكم الوضعي والتكليفي معاً(14).
(1) سورة النساء 4 : 34.
(2) سورة النساء 4 : 34.
(3) الكشاف 2 : 67.
(4) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 3 : 257.
(5) قال سيدنا الاستاذ في التعليق على قول صاحب العروة « يجوز إمامة المرأة لمثلها » قال: « في غير صلاة الميت اشكال ». وهذه المسألة قد اختلف فيها كلمات الأصحاب تبعاً للأخبار الواردة فيها. راجع الصلاة من مصباح الفقيه وغيره.
(6) مجمع البيان في تفسير القرآن 2 : 42.
(7) كقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ) ( سورة النساء 4 : 58 ) وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْم عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ ) ( سورة النساء ط : 135 ) وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ ) ( سورة المائدة 5 : 8 ).
(8) سورة الأحزاب 33 : 33.
(9) سورة الأحزاب : 33.
(10) وسائل الشيعة 27 : 16/2 . أبواب صفات القاضي ، الباب 2.
(11) لأن رواتها بين مجهول ومهمل.
(12) حديث نبوي رواه العامة ، انظر المجموع في شرح المهذّب 2 : 142.
(13) بحار الانوار 103 : 254/1.
(14) ويستدل له أيضا بما يلي:
1 ـ ما رواه جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام يقول: « ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ولا جماعة.. ولا تولى المرأة القضاء ولا تلي الإمارة ولا تستشار » وسائل الشيعة 20 : 220/1 . أبواب مقدمات النكاح ، الباب 123.
2 ـ ما روي في الوسائل عن الكليني بسند عن أبي جعفر وبآخر عن أبي عبد الله عليهما السلام قال: ـ في رسالة أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن عليه السلام: « لا تملك المرأة من الأمر ما يجاوز نفسها.. » قال في الوسائل: « ورواه الرضي في نهج البلاغة (405/31) مرسلاً نحوه » وسائل الشيعة 20 : 168/1 . أبواب مقدمات النكاح ، الباب 87 .
3 ـ ما رواه الشيخ الكليني في الكافي مسنداً عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: « كلّ أمر تدبّره امرأة فهو ملعون » وسائل الشيعة 20 : 182/4 . أبواب مقدمات النكاح ، الباب 96.
4 ـ ما دلّ على ترك طاعة النساء والنهي عن مشاورتهن. وسائل الشيعة 20 : 181 . أبواب مقدمات النكاح ، الباب 96.
5 ـ ما دلّ على نقصان عقلها ودينها.
6 ـ ما دلّ على عدم صلاحيتها للإمامة في الصّلاة للرجال أو مطلقاً.
7 ـ دعوى انصراف الأدلّة المطلقة عن المرأة.
8 ـ الأصل، فقد تقرر أنه عدم الإذن.
والحق: أن هذه الأدلّة من الكتاب والسنّة والإجماع وغير ذلك ـ بمجموعها ـ تشرف الفقيه على القطع بالحكم في هذه المسألة.