المسألة السادسة
( فيمن يقبل قوله بلا يمين )
ذكر المحقق فيها أربعة فروع، أفتى في الثلاثة الاولى منها بقبول قول المدّعي بلا يمين، وتردّد في الرابع، لكن في ( المسالك )(1) ذكر أكثر من عشرين فرعاً ، ذهب في جميعها إلى القبول كذلك، فالفروع الثلاثة هي:
الأوّل : « لو ادّعى صاحب النصاب إبداله في أثناء الحول » أي لينفي عنه الزكاة « قبل قوله بلا يمين ».
الثاني : « وكذا لو خرص عليه فادّعى النقصان » أي: في الثمرة المخروصة أو الزرع عماخرص عليه لينقص عنه ما قدر عليه من الزكاة.
الثالث : « وكذا لو ادّعى الذميّ الإسلام قبل الحول » أي: ليتخلّص عن الجزية ، بناء على عدم شمول « الإسلام يجب ما قبله »(2) لهذا المورد، وأما بناء عليه ، فلا يطالب بالجزية وإن لم يدّع ذلك.
ثم إن الدليل في هذه الفروع هو عدم الخلاف كما في ( الجواهر )(3)، وأن الحق في هذه الموارد لله عزّ وجل، مع أن الحق فيها لا يعلم إلا من قبل المدّعي.
وهناك نصوص في خصوص بعض فروع المسألة مثل أن يقول: « لا زكاة علي » مثلاً(4) .
والفرع الرابع قوله: « أما لو ادّعى الحربي الإنبات بعلاج لا بالسن ء ليتخلّص من القتل، فيه تردّد، ولعلّ الأقرب أنه لا يقبل إلا مع البيّنة »(5).
أقول: ينشأ التردد من إن قتل الكافر الحربي حدّ من حدود الله تعالى، وقد أمر سبحانه بدرء الحدود بالشبهات، وقد تقدّم أن لا يمين في حدّ، وأن الإنبات لا يعلم إلا من قبل الشخص، مع أن اليمين لا تقبل من غير البالغ، وهذا مشكوك في بلوغه.
ومن أن الإنبات أمارة شرعيّة على البلوغ، وكونه بعلاج خلاف الظاهر، ولا يقبل قول من ادّعى خلاف الظاهر إلا مع البينة، وإذ لا بينة هنا، فإن أقلّ ما تثبت به الدعوى هو اليمين، فقيل: يحلف الآن لوجود الأمارة الشرعيّة على البلوغ المعتبر في صحة اليمين ، وقيل: يصبر حتى يعلم ببلوغه، وعلى الأوّل، إن حلف لم يقتل وإلاّ قتل، وعلى الثاني، إن حلف سقط الحدّ ، وإن نكل كشف عن استحقاقه القتل منذ الأسر.
أقول: لكن يرد على القول الثاني: أنه إن بلغ كافراً وجب قتله ولا حاجة إلى هذا البحث، وإن أسلم، فإن قلنا بمقتضى « الإسلام يجبّ ما قبله » فلا يحلف ولا شيء عليه، وإلاّ ، فإن حلف سقط الحدّ وإن نكل قتل.
هذا إن لم نقل بأن كون الإنبات أمارة للبلوغ مشروط بكونه طبيعيّاً، وإلاّ فإنه مع الشك في كونه بالعلاج أو بالطبع، فلا يجوز قتله وإن لم يدع الإنبات بعلاج، إلاّ أن يتمسك بأن الأصل عدم كونه بعلاج، لكنه أصل مثبت… اللهم إلا أن يكون إجماع على وجوب قتله حينئذ.
ومعنى قول المحقق: « لا يقبل إلاّ مع البينة » إنه لا يقبل مع اليمين، فإن أقام البينة قبل وإلا قتل، وأشكل عليه في ( الجواهر ) بقوله: « لكن لا يخفى عليك ما فيه من أنه بعد تسليم الظهور لاينافي تحقق الشبهة الدارئة ( قال ): بل الظاهر تحققها مع عدم اليمين خصوصاً في مثل الفرض »(6).
وهل يقبل قول مدّعي الإنبات بعلاج في غير مورد الحدّ الذي أمرنا بدرئه بالشبهة ؟ مثاله: لو أجرى عقد بيع، ثم لما حضر المشتري لتسلّم المبيع ، ادّعى كونه صغيراً في حال إجراء العقد، وأن إنبات الشعر المتحقق فيه حاصل بعلاج منه وليس طبيعياً ليدل على البلوغ، فهل يسمع قوله ـ لا سيّما وأنه مطابق للأصل ـ أو لا بل يسمع قول المشتري وهو مقتضى أصالة الصّحة ؟
أقول: أما أصالة الصحّة ، فتجري عند الشك في الصحة بعد إحراز اجتماع الشرائط المعتبرة، ومع الشك في بلوغ البائع فلا يجري هذا الأصل، لأنه لا يحرز البلوغ… لكن الصحيح عدم قبول قول البائع في هذه الصورة، لأن إنبات الشعر ظاهر في البلوغ، والمناقشة في هذا الظهور ممنوعة، وهو متقدّم على الأصل وإلا لم تتقدّم أمارة على أصل في مورد.
قال في ( الجواهر ) : ومما اُلحق بذلك دعوى البلوغ مطلقاً أو بالإحتلام خاصة، لإمكان إقامة البينة على السنّ واعتبار الإنبات، لأن محلّه ليس من العورة ، وعلى تقديره فهو من مواضع الضرورة، وعلى كلّ حال ، لا يمين وإلالزم الدور، لأن اعتباره موقوف على البلوغ الموقوف على اعتباره.
أقول: صحة اليمين متوقفة على البلوغ، والبالغ قد لا يحلف أصلاً، نعم ثبوت البلوغ يتوقف عليها، فلا دور… فالدليل على عدم اليمين في المقام كونه شبهة مصداقية للبلوغ المعتبر تحققه للحالف في صحة يمينه.
هذا، وقد ذكروا في المقام فروعاً، والضابط الكلّي هو: إن كان الطرف في الدّعوى هو الله تعالى محضاً ، فلا يشترط اليمين، وكذا إن كان مورد الدعوى حقاً عاماً للناس.
وفي ( المسالك ): ضبطها بعضهم بأنه كلّ ما كان بين العبد وبين الله تعالى، أو لا يعلم إلا منه ولا ضرر فيه على الغير، أو ما تعلق بالحدّ أو التعزير(7).
وفيه ـ كما في ( الجواهر )(8) ـ إن ذلك كلّه مع عدم الخصومة، وأما معها فلا، فقول ذي اليد مثلاً حجة إلاّ إذا خوصم، فحينئذ تتوجه عليه اليمين…
(1) مسالك الأفهام 13 : 501 ـ 503.
(2) في مجمع البحرين 1 : 264: « في الحديث: الإسلام يجبّ ما قبله والتوبة تجب ما قبلها من الكفر والمعاصي والذنوب ».
(3) جواهر الكلام 40 : 262.
(4) الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام: « باب ما يستحب للمصدق والعامل استعماله من الآداب وأن الخيار للمالك والقول قوله » وقد قرأ السيد الاستاذ دام ظله الرواية الاولى من تلك النصوص وتطّرق على ضوئها إلى بعض القضايا التي وقعت في البلاد، فأبدى تضجّره منها ونبّه على وجوب الإنتهاء عنها .
(5) شرائع الإسلام 4 : 91.
(6) جواهر الكلام 40 : 263.
(7) مسالك الأفهام 13 : 503.
(8) جواهر الكلام 40 : 264.