المسألة الثالثة
( في حكم مطالبة المدعى عليه بالجواب )
قال المحقق قدّس سرّه: « إذا تمّت الدعوى ، هل يطالب المدّعى عليه بالجواب ، أو يتوقّف ذلك على التماس المدعي ؟ فيه تردّد، والوجه أنه يتوقّف، لأنه حق له، فيقف على المطالبة »(1).
أقول: إذا حرّر المدّعي دعواه والمدّعى عليه حاضر، فهل على الحاكم أن يطالب بالجواب من المدّعى عليه ، أو لا يطالبه به إلاّ بعد التماس المدّعي ذلك ؟ لا إشكال في جواز مطالبة الحاكم الجواب من المدّعى عليه وإن لم يلتمس منه المدّعي ذلك، إلاّ إذا رفع المدّعي اليد عن حقّه، فلا موضوع لمطالبة الحاكم الجواب من المدّعى عليه، فإن لم يسقط حقه ولكن لم يلتمس من الحاكم المطالبة بالجواب فلا يجب كذلك، فإن التمس وجب على الحاكم ذلك عند الأكثر، لأن ذلك مقدّمة للقضاء الواجب فيجب.
ويمكن الخدشة في ذلك: بأنه ليس القضاء موقوفاً على جواب المدّعى عليه في كلّ مورد، بل للحاكم أن يطالب بإقامة البيّنة من المدّعي، فإن أقامها حكم. هذا أوّلاً. وثانياً: لو فرض توقف الحكم عليه ، وأنه قد يقرّ بالحق، فلا حاجة إلى البينة ، فما الدليل على وجوب تحصيل موضوع القضاء ومقدمته على الحاكم ؟
وفي ( المبسوط )(2) ذكر في المسألة قولين، ثانيهما: عدم التوقف، قال : إن نفس طرح الدّعوى عند الحاكم مطالبة بالجواب، وقد نقله صاحب ( الجواهر )(3) عن ( المسالك ) وقال: إن هذا لا ينفي التوقف، واستدل في ( الجواهر ) لعدم التوقف بأمرين: أحدهما : الأصل، والثاني: كون ذلك حقّاً للحاكم المنصوب لقطع الخصومات.
أقول: هل للحاكم في مقام الدعوى حق على المترافعين مجعول شرعاً، فيكون ذا حق على المدّعى عليه ليطالبه بالجواب على دعوى المدّعي ؟ إن هذا مشكل، ولعلّ مراده من الحق هو الولاية والسلطنة على المترافعين لفصل الخصومة ، وهذا صحيح، لكن موضوع وجوب القضاء هو مطالبة المدعي بذلك، فإن لم يطالب ، فهل يجب ذلك على الحاكم من باب الولاية ؟ لا وجه للوجوب، نعم ، له ذلك لغرض فصل الخصومة وحسم النزاع.
وأما الأصل ، فإن مقتضاه عدم حرمة مطالبة المدّعى عليه بالجواب .
أللهم إلا أن يريد من الأصل أن مقتضى الإطلاقات والعمومات وجوب القضاء بعد مطالبة المدّعى عليه بالجواب، ومع الشك في شرطية التماس المدعي من الحاكم مطالبته به، فالأصل عدمها، ويكون مرجع ذلك إلى تخصيص أدلّة وجوب القضاء، والأصل عدمه.
وكيف كان، فإنه يبقى عليه أنه إن أسقط المدعي حقّه فلا خصومة حتى ترفع ، وإلاّ فإن لم يطالب بالجواب فعلاً فلا وجه لذلك بالنسبة إلى الحاكم وإن قلنا بإطلاق أدلّة القضاء، فيبقى صورة التماس المدّعي، وهنا يمكن أن يقال بأن أدلّة القضاء لا تشمل هذه الصورة، بأن يحكم بعد قيام البيّنة ولا يطالب المدّعى عليه بشيء، فإن قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: « إنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان » ونحوه منصرف عن مثله، لا سيّما وأن المتعارف من القضاء كونه كذلك، فإن القضاة كانوا يسألون المدّعى عليه عن رأيه في دعوى المدّعي.
(1) شرائع الإسلام 4 : 82.
(2) المبسوط في فقه الإمامية 8 : 289.
(3) جواهر الكلام 40 : 157.