هل يشترط الرضا بالحكم بعده ؟
قال المحقق قدّس سرّه: « ولا يشترط رضاهما بعد الحكم »(1).
أقول: في المسألة قولان، فالمشهور هو النفوذ وكفاية الرضا قبل الحكم ، فليس لهما الرجوع عن حكمه ولا يشترط رضاهما بعد الحكم، وقيل: يشترط رضاهما بعد الحكم أيضاً.
أقول: مقتضى الدليل التعبّدي تأثير رضاهما بالحكم بعده في بعض الموارد ، مثل كون الدية على العاقلة(2)، وفي بعض الموارد لا يتوقف الحكم على الرضا أصلاً ، كما إذا تنازعا في الرضاع مثلاً ، بأن قال أحدهما بتحقق الرضاع الموجب للحرمة في مورد، وقال الآخر بعدمه، فحكم الحاكم حسب القواعد والأدلة، فإنه لا أثر لرضاهما بعدئذ. والحاصل: إن تأثير رضاهما على القاعدة ، إلا إذا دلّ الدليل في مورد على العدم أو التأثير بأثر بالنسبة إلى غير المتخاصمين.
ويمكن أن يستدل لكفاية الرضا السابق في جميع الموارد برواية الحلبي قال: « قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ربما كان بين الرجلين من أصحابنا المنازعة في الشيء فيتراضيان برجل منّا. فقال: ليس هو ذاك، إنما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيف والسوط »(3) بأن يقال: فرق بين لسانها ولسان معتبرة أبي خديجة التي جاء فيها : « فإني قد جعلته قاضياً » فتلك تعلّل نفوذ الحكم بالجعل، وهذه بالرضا ، وظاهرها نفوذ حكم من رضي المتخاصمان من الأصحاب بحكمه ، إذ ليس من أولئك الذين يجبر الناس على حكمهم بالسيف والسّوط..
نعم، يشترط كونه واجداً للشرائط المعتبرة، وحينئذ ، يكون الرّضا دليلاً على النفوذ كالإذن مطلقاً، وعلى هذا، فلا تبقى ثمرة لهذا البحث بالنسبة إلى زمن الغيبة حيث تحقق الإذن منهم بنفوذ حكم المجتهد من دون أثر للرضا.. إلا أن يدّعى دلالة ما في ذيلها وهو قوله عليه السلام : « إنما هو الذي.. » على لزوم الرضا بعد الحكم، أي: بأن يكونا مطيعين للحكم ومنفذين له بدون إجبار، فلو كان كذلك لم ينفذ الحكم.
هذا، ويدّل قول المحقق: « ولا يشترط رضاهما بعد الحكم » على جواز الرجوع عن الرضا بالحكم قبله.
(1) شرائع الإسلام 4 : 68.
(2) يعني: إنهما لو تنازعا في قتل، فقال أحدهما بكونه عن عمد وقال الآخر هو عن خطأ، فحكم بكونه خطأ، فلو رضيا بهذا الحكم بعده وجبت الدية على العاقلة، فأثر رضاهما به بعده لزوم الدية على طرف ثالث وهو العاقلة.
(3) وسائل الشيعة 27 : 15/8 . أبواب صفات القاضي ، الباب 1.