هل يحبس حتى يتبين حاله ؟
قال المحقق: « وهل يحبس حتى يتبين حاله ؟ فيه تفصيل ذكر في باب الفلس »(1).
أقول: لو أقرّ بالحق وادّعى الإعسار وجهل حاله، ففي المسألة صور أربع:
الصورة الأولى: أن يكون حالته السابقة الإعسار، والدائن يصدّقه في ذلك، لكنه يدّعي يساره الآن ، والمدين يدّعي بقاء حالة الإعسار.
الصورة الثانية: أن يقرّ بالدين وباليسار سابقاً ، أو وجود مال الدائن عنده إن كان أصل الدعوى مالاً ، لكن يدعي الإعسار الآن ، فيقول له الدائن: أنت على يسارك السابق، أو أن مالي موجود عندك الآن.
الصورة الثالثة: الجهل بحالته السابقة.
الصورة الرابعة: أن يكون سابقاً معسراً تارة وواجداً أخرى.
وتفصيل الكلام في الصورة الأولى: إنه في هذه الصورة يجب على الدائن الذي يدعي يسار المدين إقامة البينة على دعواه، لأن قول مدعي الإعسار هو الموافق للأصل، فإن أقام البيّنة حكم على المدين بدفع المال وأداء الحق، ولا معنى للإنظار، وإن أبى حبس، وإن لم يقم البينة أحلف مدّعي الإعسار ، فإن حلف اُنظر ، وإن ردّ اليمين على من يدعي اليسار أحلف، فإن حلف حكم على المدين بأداء الحق ، فإن أدّى فهو وإلاّ حبس ، وإن امتنع عن اليمين فقيل: إنه مع ردّ اليمين على المدعي ونكوله ، يكون النكول سبباً للحكم بضرره، لأن النكول عن اليمين المردودة هو بمثابة يمين المدّعى عليه، وقيل: النكول لا يوجب ذلك وتبقى الدعوى مجملة، والمرجع في صورة إجمال الدعوى ـ في غير مسألتنا ـ هو الاصول والقواعد ، أما في هذه الصورة في محلّ الكلام ، فالمرجع هو قوله تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَة فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة )(2) فإنها تدلّ على أن وجوب الإنظار مشروط بكونه معسراً، أي إن للدائن مطالبة حقه من المدين إلاّ في حال كونه ذا عسرة، فإن أحرز الشرط ترتّب حكم وجوب الإنظار، ومع الشك فلا يحكم بوجوبه، فله المطالبة بحقه وأن يطلب من الحاكم حبسه إن امتنع عن أدائه.
ولو أقام مدعي الإعسار البينة على ذلك، قال بعض الأصحاب بحجية تلك البينة، بناء على إطلاق قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: « إنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان »، وقيل: لا تقبل منه البينة لأنه منكر، لقوله عليه الصلاة والسلام: « البينة على من ادّعى واليمين على من أنكر »(3) وسيأتي تحقيق المسألة في محلّها إن شاء الله تعالى، وعلى الأوّل، فهل يحتاج إلى ضمّ اليمين إلى البينة ؟ قيل: لا، لأن البيّنة حجة تامة، وقيل: نعم، لأن البيّنة على النفي ليست بحجة، فلابدّ من ضم اليمين إليها.
(1) شرائع الإسلام 4 : 84.
(2) سورة البقرة 2 : 280.
(3) وسائل الشيعة 27 : 293/3 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 25 . في حديث فدك عن تفسير علي بن إبراهيم القمي.