هل يجوز الحلف اعتماداً على اليد و الإستصحاب ؟
وهل يجوز الحلف اعتماداً على اليد ؟ قولان.
ويدلّ على الجواز:
1 ـ خبر حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام: « قال له رجل: إذا رأيت شيئاً في يدي رجل ، يجوز لي أن أشهد أنه له ؟ قال: نعم. قال الرجل: أشهد أنه في يده ولا أشهد أنه له فلعلّه لغيره. فقال أبو عبدالله عليه السلام: أفيحلّ الشراء منه ؟ قال: نعم. فقال أبو عبد الله عليه السلام: فلعلّه لغيره، فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكاً لك ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك ؟ ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق »(1).
بل قد يستظهر من قوله « وتحلف عليه » أن كلّما يجوز الحلف اعتماداً عليه تجوز الشهادة كذلك.
2 ـ خبر علي بن إبراهيم في تفسيره بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث فدك : أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لأبي بكر: « أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين ؟ قال: لا. قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادّعيت أنا فيه من تسأل البينة ؟ قال: إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين. قال: فإذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون، تسألني البينة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبعده، ولم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوا علي كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم … »(2).
وأمارة الصدق على هذا الخبر لائحة مع حسنه سنداً(3).
ويدلّ على جواز الشهادة و الحلف اعتماداً على الإستصحاب: خبر معاوية ابن وهب قال: « قلت له: إن ابن أبي ليلى يسألني الشهادة عن هذه الدار، مات فلان وتركها ميراثاً، وأنه ليس له وارث غير الذي شهدنا له. فقال: إشهد بما هو علمك. قلت: إن ابن أبي ليلى يحلّفنا الغموس. فقال: احلف، إنما هو على علمك »(4).
ويدلّ على الجواز في خصوص الشهادة خبره الآخر: « قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يكون له العبد والامة قد عرف ذلك فيقول: أبق غلامي أو أمتي، فيكلّفونه القضاة شاهدين بأن هذا غلامه أو أمته لم يبع ولم يهب، أنشهد على هذا إذا كلّفناه ؟ قال : نعم »(5).
لكن يعارضه المنع الوارد في ذيل خبر آخر له، وإن كان صدره دالاّ على الجواز كذلك، وهذا نص الخبر بتمامه « قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يكون في داره ثم يغيب عنها ثلاثين سنة ويدع فيها عياله، ثم يأتينا هلاكه ونحن لا ندري ما أحدث في داره، ولا ندري ما أحدث له من الولد ، إلا أنا لا نعلم أنه أحدث في داره شيئاً ولا حدث له ولد، ولا تقسم هذه الدار على ورثته الذين ترك في الدار حتى يشهد شاهدا عدل أن هذه دار فلان ابن فلان مات وتركها ميراثاً بين فلان وفلان، أو نشهد على هذا ؟ قال: نعم.
قلت: الرجل يكون له العبد والامة فيقول: أبق غلامي أو أبقت أمتي، فيؤخذ بالبلد، فيكلّفه القاضي البينة أن هذا غلام فلان لم يبعه ولم يهبه، أفنشهد على هذا إذا كلّفناه ونحن لم نعلم أنه أحدث شيئاً ؟ فقال: كلّما غاب من يد المرء المسلم غلامه أو أمته أو غاب عنك لم تشهد به »(6).
وهذا الذيل والخبر المتقدّم كلاهما واردان في مورد الترافع، فحمل المانع على هذا المورد والمجوّز على أن المراد من الشهادة فيه هو الإخبار عن الواقع استناداً إلى الإستصحاب ، خلاف الظاهر، والأولى الجمع بينهما ، بحمل الخبر المانع على الكراهة ، لأنه ينافي رغبة الشارع وترغيبه في انعتاق الإماء والعبيد بشتّى الوسائل مهما أمكن.
هذا كلّه بالنظر إلى الأدلّة الخاصّة.
ويمكن الإستدلال لذلك بعمومات أدلّة الإستصحاب واليد، إذ المستفاد من خبر حفص بن غياث عدم اعتبار العلم بالواقع عند الشهادة، وعليه، فإن شهد بأن هذا ملكه ترتّبت آثار الملكيّة بلا ريب ، وكذا في الإستصحاب، فحيث يستصحب طهارة الثوب ـ مثلاً ـ وتجوز الصّلاة فيه، يجوز الحلف على هذه الطهارة أيضاً، ولا مقيّد بكونها طهارة واقعية حتى لايجوز الحلف.
ثم إن الدعوى تبرز تارة: بحيث يكون للمدّعى عليه الحلف على البت ، وإن كانت في الواقع متعلّقة بفعل الغير، كأن يقول له: « الذي في يدك لي » وأخرى: تبرز على وجه لا يكون له ذلك، كأن يقول له: « الذي بيدك قد غصبه مورّثك » فهنا يحلف على نفي العلم.
(1) وسائل الشيعة 27 : 292/2 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 25.
(2) وسائل الشيعة 27 : 293/3 . أبواب كيفية الحكم ، الباب 25.
(3) ويكون صحيحاً بناء على كون « إبراهيم بن هاشم » ثقة.
(4) وسائل الشيعة 27 : 336/1 . كتاب الشهادات ، الباب 17.
(5) وسائل الشيعة 27 : 337/3 . كتاب الشهادات ، الباب 17.
(6) وسائل الشيعة 27 : 336/2 . كتاب الشهادات ، الباب 17.