مسائل خمس
المسألة الاولى
( حكم ما لو قال: هذه الجارية مملوكتي واُم ولدي )
قال المحقق قدّس سرّه: « لو قال: هذه الجارية مملوكتي واُم ولدي ، حلّف مع شاهده وثبت رقيّتها، دون الولد لأنه ليس مالاً، ويثبت لها حكم اُم الولد بإقراره »(1).
أقول: لو كانت جارية في يد شخص، فادّعى أحد أنها له وهي أم ولده، فدعواه تشتمل على جهات:
الاولى: كون الجارية مملوكته
والثانية: إنها أم ولد.
والثالثة: لحوق الولد به.
والرابعة: حرّية الولد.
فإن أقام شاهداً على دعواه وحلف مع شاهده ثبت بذلك جهتان:
احداهما: كون الجارية مملوكته، لأن الجارية مال، وقد تقدّم ثبوت الحق المالي بالشاهد واليمين.
والثانية: كونها أم الولد، لأنه قد أقرّ بذلك، وحينئذ ، يثبت لها حكم أم الولد من عدم جواز بيعها، وعدم انتقالها إلى الورثة بموته، وغير ذلك من الأحكام.
وأما الجهة الثالثة، فلا تثبت بالشاهد واليمين، لأن الولد ليس مالاً.
وأما الجهة الرابعة ، وهي حريّة الولد ، فلا تثبت بالشاهد واليمين كذلك ، لأنها ليست بمال، إلا أن يقال بأن مورد تأثير الشاهد واليمين هو الأعم من صورة إثبات الماليّة وصورة نفي المالية، لإطلاق الأدلّة.
وفيما نحن فيه، حيث ينكر من بيده الولد حريّته، فهو على هذا التقدير مال، والذي يدّعي حريّته ينفي ماليّته، فإذا كانت أدلّة الشاهد واليمين مطلقة ، أثّرت الشهادة واليمين من هذه الجهة أيضاً، وحكم بحرّية الولد.
لكن هذا يتوقّف على إطلاق الأدلّة، بل الأظهر أن هذه الأدلّة واردة في مورد إحقاق المدعي حقه بالشاهد واليمين، وأما إنكار حق لخر فهي منصرفة عنه، ومع التنزل عن ذلك، فإنه لو شك في ذلك كان الحكم عدم ثبوت الحرية بالشاهد واليمين، بل لابدّ من إقامة البيّنة.
وأما الحكم بالحريّة ـ بناء على الملكية آناً مّا ـ ثم الإنعتاق ، ففيه:
إن الملكية آناً مّا تتحقق في مورد دعوى الولد مالكية أحد عموديه، فإنه إن أقام شاهداً وحلف مع شاهده ، ثبت وتملك آناً مّا ثم انعتق عليه، وأما في هذه المسألة فهو يدّعي أن هذا الولد حرّ منذ وجد، فليس له حالة الرقيّة سابقاً، فلا يقاس ما نحن فيه على ذاك المورد.
وقال في ( الجواهر )(2): وأما الحريّة ، فبناء على ثبوتها بالشاهد واليمين ، فقد يقال بعدمه هنا، باعتبار كونها هنا تابعة للنسب لا واقعة بالذات، وانتفاء المتبوع يستتبع انتفاء التابع. وفيه: إن انتفائه واقعاً يقتضي ذلك لا عدم الحكم به في ظاهر الشرع، وحينئذ يمكن إثباتها بهما، كما لو اشتملت الدعوى على أمرين يثبت أحدهما بذلك دون الآخر… فهي حينئذ كدعوى السرقة ، ودعوى : أن حرية الولد ليست من حقوق المدعي كي تندرج في ضابط الشاهد واليمين، يدفعها : أنها من حقوقه مع استنادها إلى كونه ولداً له.
أقول: وفي جوابه وجوه من النظر:
فأوّلاً: ليست الحرّية حقاً من الحقوق ، بل هي عدم تعلّق الحق.
وثانياً: ليست الحرية من الحقوق المالية لو كانت حقاً.
وثالثاً: سلّمنا، لكن هذا الحق للحرّ نفسه، ولا معنى لأن يقال بأن حريّة الولد من حقوق الأب.
فالحق: إن الإشكال المذكور لا يندفع بما ذكره، ويبقى الولد في يد من بيده الجارية حتى ترتفع بإقراره مثلاً.
وأمّا قوله: بل قد يقال إن الحكم بملكية الجارية يقتضي الحكم أيضاً بملكية الولد الذي هو من نمائها التابع لها….
ففيه: إن هذا يصح حالكون الولد قد وجد ملكاً للجارية ، فيكون ملكاً لمولاها بتبعها، لكن المفروض أنه قد وجد حرّاً كما تقدم، فما ذكره غير تام.
(1) شرائع الإسلام 4 : 93.
(2) جواهر الكلام 40 : 289.