مسائل ثمان
المسألة الأولى
( متى تتوجّه اليمين على الوارث ؟ )
قال المحقق قدّس سرّه: « لا تتوجه اليمين على الوارث ما لم يدع عليه العلم بموت المورث والعلم بالحق، وأنه ترك في يده مالاً »(1).
أقول: يشترط في صحة الدّعوى على الوارث في حق على المورّث أمور:
الأوّل: علم الوارث بموت المورّث.
والثاني: علمه بثبوت الحق على المورّث واشتغال ذمته به.
والثالث: العلم بوجود تركة في يد الوارث بمقدار الحق أو بعضه.
فهذه الامور شرط، ولذا لو صدق المدعي الوارث على عدم أحد هذه الامور الثلاثة لم يكن للدّعوى عليه وجه، فضلاً عن توجّه اليمين عليه الذي أشار إليه المحقق بقوله:
« ولو ساعد المدّعي على عدم أحد هذه الامور ، لم يتوجّه ».
ثم قال قدّس سرّه: « ولو ادّعي عليه العلم بموته أو بالحق ، كفاه الحلف أنه لا يعلم ».
أي: لأنها دعوى تتعلّق بعلمه بفعل الغير، فحيث لا يعلم ، كفاه الحلف على نفي العلم.
قال: « نعم، لو أثبت الحق والوفاة وادّعى في يده مالاً، حلف الوارث على القطع »(2).
أقول: لا إشكال فيما ذكر، لأنه بعد ثبوت الحق والوفاة بالبيّنة مثلاً، تكون دعوى وجود مال للمورث عند الوارث متعلّقة بأمر راجع إلى نفس الوارث، فإن كان ينكر ذلك وجب عليه الحلف على نفيه على البت لا على نفي العلم.
ولكن هل الدعوى مشروطة بهذه الامور، أو أن الإستحلاف مشروط بها ؟ الظاهر هو الأوّل كما ذكرنا، بل لا ريب في اشتراط الأمر الأوّل حتى يتمكّن من الدّعوى، إذ تقدّم في محلّه أنه يشترط في صحة الدعوى كونها عن جزم، فلا تسمع دعواه باحتمال كونه ذا حق.
ولو صدق الوارث في دعوى الجهل بكون مورّثه مديناً ، كانت مطالبته بحقه منه لاغية، وأما لو كان متيقّناً من علمه أو شك فيه، جازت له المطالبة مع فرض وجود التركة.
وهل يحلّفه على نفي العلم أو على إنكار أصل الدعوى ؟ إن ادعي علمه بالامور كان عليه اليمين على نفي العلم.
وهل هذه اليمين تفصل الخصومة على الواقع ؟ قولان. وتظهر ثمرة الخلاف في البينة التي يقيمها المدعي بعدها.
وعن الشيخ: إنه لا يشترط في صحّة الدعوى أنْ يدّعي المدّعي على الوارث العلم، بل للمدعي إبراز الدعوى، وللوارث حينئذ الحلف على نفي العلم، فإن حلف سقطت الدعوى وفصلت الخصومة.
لكن قول الشيخ بجواز حلف الوارث على نفي العلم مع عدم ادّعاء المدّعى عليه ذلك ، بعيد جدّاً.
وقال المحقق قدّس سرّه: « لا تتوجّه اليمين ما لم يدع علمه بالحق إذ لا يحلف على فعل الغير ».
وهذه العبارة مفادها عدم كون شرط الدعوى ذلك، بل شرط الاستحلاف دعوى علمه، ويكون الحاصل جواز دعواه الحق، فإن كان له بينة ثبت حقّه وإلاّ فإن ادّعى علم الوارث حلف على نفيه، وإلاّ لم يحلف لأنه على فعل الغير، ومع الحلف تنفصل الخصومة وينقطع النزاع، وقيل: لا تسقط الدعوى باليمين على نفي العلم.
لكنّا نقول ـ بناء على ما عرفت فيما مضى في مسألة يمين الموكّل ـ إنه إن كان الوارث متمكّناً من اليمين على نفي أصل الدّعوى، جاز له ذلك، وإلاّ وجب عليه اليمين على نفي العلم وإن لم يكن يدّعي عليه العلم ، حتى ولو كان المال الذي بيده للمدعي في الواقع، إلاّ أن يقال بانصراف أدلّة « اليمين على من ادّعي عليه » عن هذا المورد، لكن قد تقدّم أن الأظهر عمومها للمورد، وأن اليمين على نفي العلم تقوم مقام اليمين على نفي الواقع، لأن الغرض من الدعوى على المورث في الحقيقة هو الدعوى على الوارث وأنه عالم بذلك، وإلا لم يكن للترافع بينه وبين الوارث وجه.
وبعبارة أخرى: إن اليمين على نفي العلم أثرها سدّ الطريق على المدعي بحيث لا يمكنه بعد ذلك إلزام الوارث بالحق.
واختار صاحب ( الجواهر ) قدّس سرّه كفاية اليمين على نفي العلم عن اليمين على نفي الحق، واعترض على الأصحاب بأن الأمر مشوّش غير منقح عندهم، خصوصاً بعد اقتضائه ما هو كالمقطوع بفساده من عدم سماع الدعوى في غير الوارث أيضاً، كما لو ادّعى مدّع على عين في يد آخر أنه سرقه سارق وباعه أباك من دون أن يدّعي عليه العلم بذلك، ضرورة عدم الفرق بين الوارث وغيره في ذلك.
(1) شرائع الإسلام 4 : 90.
(2) شرائع الإسلام 4 : 90.