لا تثبت اليمين مالاً لغير الحالف:
قال المحقق: « ولا يثبت مالاً لغيره »(1).
أقول: قال في ( الجواهر )(2): وإن تعلّق له به حق، بلا خلاف، بل قد يظهر من ( المسالك )(3) وغيرها الإجماع عليه.
ويدلّ على ذلك ـ مع ما ذكر ـ ظواهر أدلّة القضاء، كقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: « إنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان »، فإنه ظاهر في كون البيّنات والأيمان هي ميزان القضاء بين المتخاصمين أنفسهما، وهو منصرف عمّا لو ادّعى مالاً لغيره.
قال في ( الجواهر )(4): لكن في كشف اللثام: إلاّ الولي لمال المولّى عليه، فإن الحالف إما المنكر وإما المدعي له، أما الولي فقوله بمنزلة قول المولّى عليه. ( قال ): ولم أجده لغيره، بل إطلاقهم يقتضي خلافه.
قلت: لكن لم نجد هذا الكلام في ( كشف اللثام )، بل قد صرّح بأن القيّم لا يجوز له الحلف، نعم ، فيه جواز حلف المولى لأجل مال العبد.
قال المحقق: « فلو ادّعى غريم الميت مالاً له على آخر مع شاهد ، فإن حلف الوارث ثبت وإن امتنع لم يحلف الغريم ».
أقول: وعلى ما ذكرنا، فلو مات المدين ولا تركة له، وقد عرف الدائن مديناً للميت وله على حقه من الميت شاهد واحد، فهل له أن يحلف عند المدين الثاني مع شهادة الشاهد حتى يستوفي حقه منه ؟ قالوا: يثبت حقه إن حلف الوارث، وأما يمينه هو فلا أثر لها، لأنها في مال الميت وإن تعلق لّه به حق، وترتب هذا الأثر على يمين الوارث مبني على أن الوارث يملك كلّ ما كان لمورّثه، ولو كان الدّين مستوعباً لم يجز له التصرف في شيء من المال، فإنه ـ بناء على هذا ـ يكون يمين الوارث في ماله لا في مال الغير.
وتعرّض في ( الجواهر )(5) لمسألة الوصية من جهة أنها تتفرع على ما ذكر من ترتب الأثر على يمين الوارث دون الغريم، فلو أوصى الميت بصرف كذا من المال في مورد معين ولم يترك مالاً يفي لتنجيز الوصية، لكن ادّعى الوارث بأن والده مثلاً يطلب من فلان كذا من المال، فقيل: الوصية بحكم الدين في ترتب الأثر على يمين الوارث فقط، وفي ( الجواهر ): إن كانت الوصية كليّة غير متعلّقة بالمال فهي كالدّين، وإن كانت متعلّقة بالمال ـ ولو بعنوان الكلّي في المعين كالعشرة دنانير من المال، أو الحصّة المشاعة ـ فالحكم يبتني على القول بانتقال ما للميت إلى الوارث بالموت وعدمه.
أقول: الوصيّة تارة: تتعلق بالفعل ـ وإن كان مشتملاً على المال ـ فهنا صورتان:
الاولى: أن يكون مراد الموصي صرف كذا من ماله قبل انتقاله إلى الوارث ، فبناء على أن الملكية أمر اعتباري ، يكون المال للميّت وعلى الوصي صرف المال الذي أوصى به في المورد الذي عيّنه، وفي هذه الصورة لا يحلف الوصي ولا الوارث ولا الموصى له، لأن المفروض كون المال للميت ، وحلف كلّ واحد من هؤلاء يكون في مال الغير فلا أثر له…
وكذا الأمر بناء على القول ببقاء المال في حكم مال الميت.
والصورة الثانية: أن تكون الوصية بنحو ترتب نفوذها على انتقال المال إلى الوارث، أي يكون تملّك الوارث له مقدّماً في الرتبة على تملك الموصى له، ففي هذه الصورة يحلف الوارث أو الوصي.
وبناء على كون المال الموصى به في حكم الدين ـ بمعنى جعل المورث على ذمة الوارث كذا من المال، بأن ينتقل إليه بحكم الإرث ثم تكون ذمته مشغولة بصرف ما عيّنه المورث في كذا بحكم الوصية ـ فلا إشكال في أنه يحلف حينئذ.
وأما لو كانت الوصيّة مضافة إلى المال بنحو الحصة المشاعة ، فلا يحلف.
وأخرى: تكون الوصيّة بنحو النتيجة، كأن يوصي بأن كذا من المال لزيد بعد وفاتي، فإن قبل الموصى له الوصية فلا أثر لحلف الوارث، بل المؤثر يمين الموصى له، لأن المال ملكه، سواء كان بنحو المشاع أو المفروز أو الكلّي في المعيّن، وسواء قلنا بأن المال يكون بعد الموت في حكم مال الميت ثم ينتقل إلى الموصى له بحكم الوصية، أو قلنا بانتقاله إلى الوارث بالإرث ثم إلى الموصى له، أو قلنا بانتقاله إلى الموصى له رأساً. وإن لم يقبل الموصى له الوصية فهنا تأتي الأقوال، وعلى كلّ حال فليس له أن يحلف، وأما الوارث فيحلف بناء على انتقال المال إليه بالإرث ثم انتقاله إلى الموصى له بعد القبول.
وكذلك الكلام في المال الذي تعلّق به الخمس أو الزكاة ثم خرج المال من تحت يد صاحبه إلى الغير، فعلى القول بتعلّق الخمس مثلاً بذمة الميت فلا يحلف مستحقه، فإن قلنا بانتقال المال إلى الوارث حلف الوارث، وإن قلنا ببقائه على ملك الميت أو في حكم ماله فلا يحلف.
هذا، وحيث لا يحلف الغريم، فهل له إحلاف المدّعى عليه ؟ قال في (الجواهر)(6): نعم ، لأن الدليل على عدم حلفه هو الإجماع وانصراف الأدلّة، وأما الإحلاف فلا دليل على المنع منه، فإن حلف المدّعى عليه برأت ذمّته، وإن نكل ثبت الحق بمجرّده إن لم يمكن الردّ.
وأما الوارث الذي له أن يحلف، فهل يجبر عليه لو امتنع منه ؟
قال في ( الجواهر ): لا، لعدم الدليل، نعم لو كان المورث يمكنه أداء الدين فقصر عنه وأراد الوارث تخليص ذمّته، كان له ذلك، ولكنه ليس بواجب.
وعلى القول ببقاء المال في ملك الميت أو في حكم ملكه ، فقد قلنا بأنه ليس للوارث أن يحلف، وهنا قال في ( الجواهر ): اللهم إلا أن يقال إنه قد ورث حق الدعوى به وإن صار بعد الثبوت على حكم مال الميت ولا تعلّق للوارث به، ولكنه كما ترى، ولم أجد ذلك محرّراً في كلام الأصحاب.
قلت: وما أشار إليه من التأمّل في هذا الإحتمال هو الظاهر، لأن حق الدعوى في المال يتبع ملكية نفس المال، لأنه أثر كسائر الآثار المترتبة على تملّكه، فلا يثبت هذا الحق بالنسبة إلى مال الغير إلاّ في صورة الوكالة عنه.
ولو أحلف الغريم المدين فحلف ، سقطت دعوى الغريم تجاهه، ولكن حق الوارث باق، فله أن يحلّفه، فإن حلف وثبت الحق واستوفاه الوارث، فهل للغريم مراجعة الوارث ؟ الظاهر: نعم، لأن سقوط الحق من جهة لا ينافي عدم سقوطه من جهة أخرى.
قال المحقق: « وكذا لو ادّعى رهناً وأقام شاهداً أنه للراهن ، لم يحلف، لأن يمينه لإثبات مال الغير ».
أقول: هذا واضح ولا إشكال فيه، نعم، لو ادّعى رهانة المال وأراد إثباتها من غير تعرّض لمالك المال ، ثبتت بالشاهد واليمين وإن كان المال ملكاً للغير، إذ المفروض إرادة إثبات الرهانة لا الملك.
(1) شرائع الإسلام 4 : 93.
(2) جواهر الكلام 40 : 282.
(3) مسالك الأفهام 13 : 516.
(4) شرائع الإسلام 4 : 93.
(5) جواهر الكلام 40 : 282.
(6) جواهر الكلام 40 : 283.