حكم ما لو ادعى جماعة مالاً لموّرثهم:
قال: « ولو ادّعى الجماعة مالاً لمورّثهم وحلفوا مع شاهدهم، ثبتت الدعوى وقسّم بينهم على الفريضة… »(1).
أقول: إن حلف الجماعة كلّهم أخذوا المال المدّعى وقسّموه بينهم حسب الفريضة، سواء كان المال عيناً أو ديناً.
« ولو كان وصيّة قسّموه بالسويّة إلا أن يثبت التفضيل » من الموصي .
وإنما يحلف جميعهم، لأن هذه الدعوى تنحلّ إلى دعاوى متعدّدة.
« ولو امتنعوا لم يحكم لهم » وهذا واضح ولا إشكال فيه.
ولو حلف بعضهم دون بعض ففيه بحث، قال المحقق:
« ولو حلف بعض أخذ ولم يكن للممتنع معه شركة ».
يعني: سواء كان المدّعى به في الأصل ديناً أو عيناً، وقيل: يكون له معه شركة مطلقاً، وقيل: بالتفصيل بين الدين فلا يشاركه ، والعين فله معه شركة.
أقول: إن حلف الحالف ليس نظير البيّنة في الحجية وإثبات الدعوى حتى يحكم الحاكم للحالف، وليس امتناعه عن اليمين مثل نكول المدعي عن اليمين المردودة في سقوط الدعوى، فلو غصب غاصب عيناً مشتركة بين أخوين فقال لأحدهما: إني اُريد غصب سهم أخيك دون سهمك، فدفع إليه نصف العين، كان الأخوان شريكين في النصف، لكون الحق مشاعاً ولا حق للغاصب في إفراز السهم إجماعاً. هذا في العين الخارجية ، فلو وقع الترافع بين الأخوين معاً والغاصب إلى الحاكم، فحلف أحدهما دون الآخر.
فقيل : باشتراكهما في النصف الذي يأخذه الحالف كالنصف الباقي بيد الغاصب، لأن نكول الممتنع لا يسقط حقه، ويمين أحدهما لا يوجب فرز حقه عن حق الآخر، فالشركة باقية، وقيل: بعدم الشركة مطلقاً ـ أي سواء في العين أو الدين ـ لحكم الحاكم بكون ما يأخذه الحالف ملكاً له فلا يشاركه أخوه الممتنع من الحلف ـ وقيل: بالتفصيل بين العين والدين، فلا شركة في الدين، لأنه بالقبض ينفرز سهم كلّ واحد عن سهم الآخر، فيكون ما قبضه الحالف ملكاً له.
ولو أقرض رجلان مالاً مشتركاً بينهما رجلاً، كان له تبديل الكلّي في ذمته بمال معين في الخارج ، فيكون مشتركاً بين الدائنين، ولكن ليس له دفع نصف الدين إلى أحدهما، لأن حق أحدهما لا يتعيّن دون الآخر وإن أذن، بل يكونان شريكين في ذلك النصف، فإن وقع النزاع بينهم وترافعوا إلى الحاكم ، فحلف أحد الشريكين وامتنع الآخر، ثبت نصف الدين الكلّي بحكم الحاكم، لكن ليس للمدين تعيين النصف إلا مع إذن الآخر، لأن الحق المشاع لا يفرز في الخارج ولا يتعين إلا برضا الشريكين.
ثم إنه أشكل في (المسالك) على المحقق في شرح عبارته المذكورة: « وقد يشكل الفرق بين هذا وبين ما لو ادّعيا على آخر مالاً، وذكرا سبباً موجباً للشركة كالإرث، فإنه إذا أقرّ لأحدهما شاركه الآخر فيما وصل إليه .
فخص بعضهم هذا بالدين وذاك بالعين، لأن أعيان التركة مشتركة بين الورثة والمصدق معترف بأنه من التركة، بخلاف الدين فإنه إنما يتعيّن بالتعيين والقبض، فالذي أخذه الحالف تعين لنفسه بالقبض فلم يشاركه الآخر فيه… ».
ولم يفرّق في ( الجواهر )(2) بين العين والدين حيث قال(3): « والتحقيق عدم الفرق بين الدين والعين بعد تحقق سبب الشركة فيهما، إذ الدين عين أيضاً إلا أنها كليّة… » أي: كما لا ينفرز الحق في الشيء المشترك في الخارج إلا مع رضا الشريك، فإن ما في الذمة كذلك، فيكون الخارج مصداقاً لما في الذمة ومشتركاً، ولو أوجد في الخارج بإذن الشريك مصداق نصف ما في الذمة ، كان مشتركاً بينهما، فلو لم يأذن الشريك في جعل المصداق لم يكن للمدين ذلك.
لا يقال: إذا كان كذلك لزم ثبوت ما للغير بيمين غيره.
لأنا نقول: إن المدين بعد الشهادة والحلف يدفع نصف الحالف إليه، لكن الحالف الآخذ للنصف يعلم ويقرّ بمشاركة أخيه له في ذلك بحكم الإرث.
هذا، وقال المحقق قدّس سرّه في كتاب الشركة: « إذا باع الشريكان سلعة صفقة ثم استوفى أحدهما منه شيئاً شاركه الآخر فيه »(4).
وفي إقرار المفلّس: « لو أقرّ بعين أو دين ودفع مقداراً ، تشارك الشريكان في ذلك المقدار »(5).
(1) شرائع الإسلام 4 : 93.
(2) مسالك الأفهام 13 : 518.
(3) جواهر الكلام 40 : 286.
(4) شرائع الإسلام 2 : 134.
(5) شرائع الإسلام 2 : 90.