القضاء في اللغة والإصطلاح * القضاء في الشريعة * وجوب القضاء
القضاء في اللّغة و الإصطلاح
هو لغة لمعان كثيرة ولا حاجة إلى بيانها، فليراجع كتب اللّغة(1).
أما في عرف الأصحاب ، فقد قيل: هو فصل الخصومة بين المتخاصمين وتطبيق الأحكام على مواردها الجزئية، بأن يحكم بأن هذه الدار لزيد، كما أن الفتوى عبارة عن الحكم الكلّي إلآلهي بغض النظر عن تطبيقه.
وقيل: هو الولاية على تطبيق الحكم الجزئي في الموارد الجزئيّة(2).
أقول: والظاهر أن القضاء هو « الحكم »، وهو أحد معانيه المذكورة في اللّغة ، وهو الأنسب بموارد استعماله، قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ … )(3).
إلا أن هذا الحكم الذي يجب إطاعته وتنفيذه، لابدّ أن يكون ممن نصب لذلك من قبل الله تعالى، قال عز وجل: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الاَْرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ )(4).
أو من قبل النبي صلّى الله عليه وآله ، أو الإمام عليه السلام ، إما خصوصاً أو عموماً كما في رواية أبي خديجة : « ولكن انظروا إلى رجل… »(5).
وهو حكم مطابق للحكم الإلهي، فليس فصل الخصومة من القاضي بفتوى الفقيه أو الفقهاء، بل إنه حكم يصدره، ومن آثاره وخواصّه وجوب تنفيذه على الكلّ حتى الفقهاء، ـ وهذه حيثية أخرى للتفريق بين المفتي والحاكم(6) ـ إلاّ إذا قطع أحدهم بعدم تماميّة بعض مقدمات حكم من الأحكام ، أو لم يقل بولاية الفقيه(7).
وبالجملة، فالمراد من الحكم هنا هو ما يصدره القاضي بعنوان الولاية والسلطنة الشرعية(8)، لا بعنوان الإخبار عن فتوى أو اجتهاد لنفسه أو غيره.
ولهذا الحكم آثار شرعية،كعدم جواز نقضه حتى من مجتهد آخر ، وعدم ضمان القاضي ـ مع عدم تقصيره في مقدمات الحكم ـ إلى غير ذلك.
(1) كالصحاح والقاموس وتاج العروس وغيرها، فمن تلك المعاني: الحكم والصنع والحتم والبيان والإتمام … ولكلّ واحد منها شواهد في الكتاب والسّنة وكلمات العرب، وقد تكون له معان أخرى بحسب اختلاف موارد الإستعمال أو أداة التعدية الواردة في الكلام. والظاهر ـ كما عن بعض اللغويين ـ أن تلك المعاني كلّها ترجع إلى معنى واحد وهو انقطاع الشيء، بمعنى تحتّمه وتمامه.
الصحاح 6 : 2463 ، القاموس 4 : 431 ، تاج العروس 1 : 396.
(2) وفي المسالك ( 13 : 325 ): « عرّفوه شرعاً بأنه: ولاية الحكم شرعاً لمن له أهليّة الفتوى بجزئيات القوانين الشرعية على أشخاص معينة من البريّة بإثبات الحقوق واستيفائها للمستحق ».
وفي المستند ( 17 : 7 ): « ولاية حكم خاص أو حكم خاص في واقعة مخصوصة وعلى شخص مخصوص، بإثبات ما يوجب عقوبة دنيوية شرعاً أو حق من حقوق الناس بعد التنازع فيه أو بنفي واحد منهما ».
وفي الكفاية ( 2 : 660 ): « ولاية عامة بالنيابة عن النبي والإمام خصوصاً أو عموماً ».
وفي الدروس: « ولاية شرعية على الحكم والمصالح العامة من قبل الإمام عليه السلام ».
وهذه التعاريف مشتملة على (الولاية) مع أن القضاء ليس ولاية، كما أن القضاء ليس فصل الخصومة… إذ قد يتحقق ذلك بالصلح ونحوه.
ومما ذكرنا يظهر أن الأولى هو ما ذكره السيد الاستاذ دام ظلّه من أنه نفس الحكم. أي عند التنازع والخصومة لغرض رفعها، سواء كان في إثبات حق أو نفيه لأشخاص معينيّن في نزاع خاص أو في المصالح العامة للمسلمين، كالحكم بالهلال ونحوه.
(3) سورة الإسراء 17: 23، بل (الحكم ) أوّل المعاني المذكورة للقضاء في القاموس والصحاح، فيكون المراد من (القضاء ) نفس الحكم الصادر من القاضي من باب الولاية، فإنه الذي يقطع النزاع ويتم الأمر ويحتمه إن كان صدوره بالشرائط المعتبرة شرعاً، ومن هنا يعبّر عن القاضي بالحاكم، ويؤمر بالتحاكم إليه .
(4) سورة ص 38 : 26.
(5) وسائل الشيعة 27 : 13/5 ، أبواب صفات القاضي ، الباب 1.
(6) إن « القاضي » يغاير « المفتي » و « المجتهد » و « الفقيه » بالحيثية وإن كانت الأوصاف هذه كلّها مجتمعة ـ بناءاً على اعتبار الإجتهاد ـ فيه، لأن القاضي يسمّى قاضياً وحاكماً باعتبار إلزامه بالحكم الذي يصدره ، وأما إذا كان ما يصدره مجرداً عن هذا الإعتبار فإنه يسمّى مفتياً، لأنه حينئذ يخبر عن الحكم فقط، وهو باعتبار مجرد الإستدلال على الأحكام يسمّى مجتهداً ، وباعتبار علمه بتعيّن ما توصّل إليه ظنّه حكماً شرعياً في حقه وحق مقلّديه يسمّى فقيهاً.
(7) أو كان حكمه مخالفاً لدليل قطعي من الأدلة الشرعية.
(8) المجعولة له من قبل المعصوم عليه السلام خصوصاً أو عموماً.