المسألة السادسة
( في تعدّد وعدالة مترجم الحاكم )
قال المحقق قدّس سرّه: « إذا افتقر الحاكم إلى مترجم ، لم يقبل إلا شاهدان عادلان ولا يقنع بالواحد، عملاً بالمتفق عليه »(1).
أقول: إذا افتقر الحاكم إلى المترجم، فقد حكي الإجماع على اشتراط كون المترجم بالغاً عادلاً، وإن كانت السيرة قائمة على القبول وترتيب الأثر مع الوثوق والإطمينان وإن لم يكن المترجم بالغاً عاقلاً، فالناس في حوائجهم الشخصية يكتفون بالطريقية النوعية لكلام المترجم ولا يشترطون فيه ذلك.
إنما الكلام في التعدّد، فهل يكفي المترجم الواحد البالغ العاقل، أو لابدّ من التعدد ؟ فهل هو كالبيّنة حيث يشترط التعدد أو كخبر الواحد فيكفي الواحد ؟
إن كانت الترجمة شهادة ، فلابدّ من التعدّد لقوله تعالى: ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْل مِّنكُمْ )(2) وإن كانت إخباراً ، أمكن القول بكفاية الواحد بناء على شمول أدلّة حجية خبر الواحد لجميع الإخبارات.
قال المحقق بلزوم التعدّد، لأنه القدر المتيقن من الحجة، وكأنه قدّس سرّه غير جازم بكون الترجمة خبراً أو شهادة، إذ لو كان جازماً بكونه خبراً لأفتى بكفاية الواحد، وإن كان جازماً بكونه شهادة لأفتى بالتعدد، فلم يجزم بأحد الوجهين وأفتى بعدم قبول الواحد من باب الأخذ بالقدر المتيقن، لعدم وجود إطلاق أو أصل يقتضي عدم لزوم التعدد مع الشك في حجية ترجمة الواحد.
وقيل: الرواية خبر والشهادة خبر، ولكن اشترط في حجية الثاني أن يكون المخبر متعدداً، فأدلّة حجية خبر الواحد تقتضي حجيته إلاّ في مورد الشهادة حيث قام الدليل على لزوم التعدد، ومع الشك في كون الترجمة شهادة ، يتمسك بعموم أدلّة حجية خبر الواحد ، أخذاً بالقدر المتيقّن من الدليل المخصص المجمل(3).
وأجاب في ( الجواهر ) بأن الشهادة غير الخبر عند العرف، فهما مفهومان متباينان، وليست الشهادة خبراً مقيداً بتعدّد المخبر حتى يقال فيه ذلك. هذا أوّلاً.
وثانياً: إن عمدة الأدلّة لحجية خبر الواحد هو السيرة، وهو دليل لبّي يؤخذ منه بالقدر المتيقن ، وهو غير الترجمة(4).
فإن قيل: إن آية النبأ(5) مطلقة، ومفهومها عدم وجوب التبيّن عند إخبار العادل، والمترجم العادل يخبر فلا يشترط فيه التعدد.
وأجاب في ( الجواهر ): بأن التبيّن غير واجب، ولكن التعدّد أمر آخر لا تنفيه الآية، ولا منافاة بين عدم وجوب التبيّن ولزوم تعدد المخبر لدليل خاص.
وأيضاً: آية النبأ واردة في مورد موضوع خاص يحتاج إلى البيّنة.
وأيضاً: آية النبأ يمكن أن نقول بأنها ليست في مقام وجوب العمل بخبر العادل، بل هي في مقام بيان عدم جواز ترتيب الأثر والتعويل على قول الفاسق، وبعبارة أخرى: ننكر أن يكون للآية مفهوم.
والحاصل: إنه لا إطلاق للآية الكريمة.
والأولى أن نقول: إن لم تكن الترجمة في مورد الحكم ومقام الترافع ـ نظير الواعظ الذي يقرأ الرواية على المنبر ويترجمها ـ كفى الواحد، والسيرة قائمة على قبول هذه الترجمة، بل الترجمة في هذه الحالة نظير الرجوع إلى أهل الخبرة عرفاً، وإن كانت في مورد الحكم وتوقف القضاء عليها، اشترط فيه التعدد.
وبالجملة: إن كليهما إخبار، غير أنه في مورد الترافع شهادة فيعتبر التعدد، وفي مورد غيره إخبار ، وحيث تكون الترجمة للشهادة في مورد الترافع فإنها تكون شهادة على الشهادة، وعليه، ففي الشهادة على الزنا حيث يشترط أن يكون الشهود أربعة يكفي أن يكون المترجم اثنين.
وكذا في مورد لا يسمع الحاكم الشهادة، فمع الحاجة إلى مسمع الحاكم يكفي الاثنان وإن لزم أن يكون الشهود أربعة.
(1) شرائع الإسلام 4 : 76.
(2) سورة الطلاق 65 : 2.
(3) ويمكن توجيه هذا القول بأن عمدة الأدلة على حجية خبر الواحد هي السيرة، وهي قائمة على اعتبار خبر الثقة في الأحكام والموضوعات على السواء، ولما كان اعتبار السّيرة متوقفاً على عدم ردع الشارع، فإنه في كلّ مورد قام الدليل الشرعي على اشتراط التعدد كان ذاك الدليل رادعاً في ذاك المورد، وحيث لم يرد نص في اعتبار التعدد في خصوص الترجمة ليكون رادعاً عن السيرة ، جاز الإكتفاء بترجمة الواحد. وبما ذكرنا يظهر الجواب عما أجاب به في الجواهر عن هذا القول.
(4) جواهر الكلام 40 : 107.
(5) وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) سورة الحجرات 49: 6.