المسألة الرابعة
( هل يجوز للقاضي الإستخلاف ؟ )
قال المحقق قدّس سرّه: « إذا أذن له الإمام في الإستخلاف جاز … »(1) .
أقول: يقع البحث عن ذلك تارةً في زمن الحضور، وأخرى في زمن الغيبة .
أمّا بالنسبة إلى زمن الحضور، فإن نصب الإمام أحداً وأذن له في الإستخلاف، فلا كلام في الجواز، وإن صرح بالمنع فلا كلام في عدمه، وإن أطلق، فإن كان هناك شاهد حال ـ مثلاً ـ على الإذن فيه كإرسال الوالي إلى بلاد واسعة بحيث لا تضبطها اليد الواحدة فهو، وإلاّ فلا(2).
ولا ثمرة عملية لنا في البحث عن ذلك، نعم فيه ثمرة علمية، فقد ذكروا في كتاب الوكالة أن كلّ ما اشترطت فيه المباشرة شرعاً فلا يقبل الوكالة، وكلّ ما لم يشترط فيه ذلك جاز التوكيل فيه(3).
وجعل الإمام القاضي في زمن الحضور ، يدلّ على أن القضاء من الأمور القابلة لقيام الغير بها ولا يشترط فيه المباشرة، فيقع الكلام في أن ذلك توكيل منه عليه السلام ـ أي: أن القاضي المنصوب من قبله إنما يقضي وكالةً عنه ـ أو أنه تولية منه له على الحكم، كما جعل الأب والجد له وليّاً على الصغير، فيجوز له التوكيل لغيره في الأمور التي تخصه، كما يجوز له جعل الولي عليه بعد الموت ليقوم بأموره ؟
إن كان جعله من باب الوكالة ، تمّ ما ذكره المحقق قدّس سرّه ، من أنه إذا أذن له في الإستخلاف جاز، لأنه يكون حينئذ وكيلاً في القضاء ووكيلاً في التوكيل فيه، وإن كان جعله من باب الولاية ، فلا حاجة إلى الإذن في استخلاف غيره للقضاء، فيجوز له استخلاف من كان واجداً للشرائط المعتبرة في القاضي، نظير من جعلت له الولاية في أمور الصغير من قبل وليّه ليكون ولياً عليه بعد موته، فإنه يجوز له حينئذاك توكيل غيره في القيام بالأمور من قبله.
وكذا الأمر بالنسبة إلى من عيّن لأجل القيام بأمور وقف من قبل حاكم الشرع، فإن كان وكيلاً في ذلك ، لم يجز له استخلاف غيره إلا مع الإذن الصريح أو شاهد الحال، ولو مات الحاكم بطلت وكالته، وأما إذا جعل الولاية له عليها ، لم يجب عليه الإستيذان في الإستخلاف، ولا معنى لأن يكون وليّاً بشرط المباشرة، ولم تبطل بموت الحاكم.
فظهر أن ثمرة البحث، أنه إن كان الجعل بنحو الوكالة ، فعليه إحراز الإذن في الإستخلاف، وإن كان بنحو الولاية فلا يجب.
(1) شرائع الإسلام 4 : 69.
(2) والدليل على ذلك هو أن الحكومة حق للإمام عليه السلام، فهو مسلّط عليها تسلط المالك على ملكه، فله الإذن في قيام غيره بها وله المنع، ومع إطلاقه يتوقف الجواز على أمارة تدل على إذنه.
(3) فمن الأوّل : العبادات التي تعلق غرض الشارع بتحققّها من المكلف مباشرة، ومن الثاني : البيع والطلاق ونحوهما من العقود والإيقاعات التي تعلّق غرضه بوقوعها، سواء كان المباشر المالك والزوج بأنفسهما أو غيرهما.