المسألة الحادية عشر
( هل ينفذ حكم من لا تقبل شهادته ؟ )
قال المحقق قدّس سرّه: « كلّ من لا تقبل شهادته لا ينفذ حكمه ، كالولد على الوالد والعبد على مولاه والخصم على خصمه. ويجوز حكم الأب على ولده وله، والأخ على أخيه وله »(1).
أقول: هذا مذهب الأكثر، بل ادعي عليه الإجماع، لكنه غير معلوم ، واستدلّ على ذلك بأن الحكم شهادة وزيادة، فكلّ من لا تقبل شهادته في حق أحد لا ينفذ حكمه فيه، وقد أنكر جماعة كون الحكم كذلك، فلا مانع من شمول الإطلاقات ونفوذ حكم من ذكر ، كالولد على الوالد والعبد على مولاه، وفي أصل قبول هذه الشهادة أخبار متعارضة ، سيأتي التعرض لها في محلّها إن شاء الله تعالى.
وكذلك حكم الحاكم على خصمه أو له، إلا إذا رجع حكمه إلى الإقرار ، وهذا بحث آخر، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى الإجماع المدّعى ـ انصراف الأدلّة عن ذلك، بل المتبادر منها الرجوع إلى الغير، فإن قوله عليه السلام « اُنظروا إلى رجل منكم… فتحاكموا إليه » ظاهر في وجوب ترافع الخصمين عند من كان واجداً للشرائط المعتبرة ، وإن كان أحدهما كذلك.
قال السيد صاحب ( العروة )(2) قدّس سرّه: نعم له أن ينقل حقّه إلى غيره ثم يرجع ذلك الغير مع الخصم إليه، فإنه حينئذ ينفذ حكمه لذلك الغير، وإن انتقل إليه بعد ذلك بإقالة أو نحوها…
وهل ينفذ حكمه لمن له عليه ولاية خاصة كالأُبوة والوصاية ؟
قيل: نعم، لأن الحكم ليس لنفسه، وقيل: لا، لأنه هو المنازع في الحقيقة، واختاره السيد وهو الأظهر.
وأما المولّى عليه بالولاية العامة، فالصحيح نفوذ حكمه، وإلاّ لم يرتفع النزاع في هذه الموارد، لأن كلّ قاض وليّ الأيتام والمجانين ونحو ذلك .
وإذا كان للحاكم شركة مع غيره في مال ، ووقع النزاع فيه بينهما وبين غيرهما ، كما إذا تنازع أخوه مع غيره في مال مشترك بينه وبين أخيه من جهة الإرث، فليس للحاكم أن يطالب الغير بالترافع عند نفسه، لكن لأخيه مطالبته بالترافع عنده، وهل ينفذ حكمه حينئذ ؟ ذكروا أنه إذا حكم لأخيه نفذ في حصة أخيه ولا ينفذ في حصة نفسه. وهذا فيه بحث، لأنه إذا ثبت كون المال إرثاً ، كان النصف الآخر للحاكم في الفرض المذكور، وإلاّ لزم التفكيك بين اللاّزم والملزوم.
وأجاب المحقق النراقي قدّس سرّه(3) : بأن اللّوازم الشرعيّة ليست كالعقليّة بل هي قابلة للإستثناء.
وفيه: إنه لا يمكن المساعدة عليه، لأن الواقع لا ينقلب عمّا هو عليه، لأن هذا المال ، إن كان لأبيهما واقعاً كان الحاكم وأخوه شريكين فيه، وإن لم يكن له ، فليس لأحدهما فيه شيء. نعم ، يمكن التفكيك في فصل الخصومة، بأن ترفع بالنسبة إلى حصّة أخيه ويترافع هو والغير عند حاكم آخر لفصل الخصومة في حصته خاصة.
ولما كانت الملازمة المذكورة بحسب واقع الأمر، فإنه يمكن التفكيك بين السهمين بحسب الظاهر، وذلك في حال الشك في كون المال إرثاً، نظير ما إذا تيقّن زيد بتنجس ماء معين وشك عمرو، فيجب على الأوّل الإجتناب عنه دون الثاني فله البناء على طهارته الظاهرية، فحصل التفكيك في الحكم بينهما مع وجود الملازمة بينهما بحسب الواقع، لأنه إن كان طاهراً واقعاً ، جاز لهما شربه، وإن كان متنجساً واقعاً ، وجب عليهما الإجتناب عنه.
فظهر إمكان التفكيك في الحكم الظاهري في حال الشك في كون ذلك المال إرثاً، وأما مع إحراز كونه كذلك ، فلا يمكن التفكيك بين السهمين.
وقد فرّق السيد(4) في مسألة الشركة في صورة كون مورد الدعوى عيناً، بين ما إذا كانت الدعوى بعد إفراز الحاكم حصته عن حصة أخيه وبين ما إذا كانت بعده ، قال: إذا كان للحاكم شركة مع غيره في مال ، ووقع النزاع فيه بينهما وبين غيرهما ، نفذ حكمه في حصّة شريكه لا في حصّة نفسه. مثلاً: إذا تنازع أخوه مع غيره في مال مشترك بينه وبين أخيه من طرف الإرث وترافعا إليه فحكم لأخيه، نفذ في حصّة أخيه ولا ينفذ في حصّة نفسه، ولا يشترك مع أخيه في تلك الحصّة التي ثبتت لأخيه، إلاّ إذا كانت الدعوى في عين وقد قسّمها أخوه مع ذلك الغير وأفرز حصّته، إذ حينئذ يشترك معه في تلك الحصّة لإقراره بالشركة، وأمّا قبل القسمة فلا يشترك معه، فلأخيه أن ينقلها إلى غيره على إشاعتها، وأمّا إذا كانت الدعوى ديناً فلا يشاركه مطلقاً ولو بعد القبض على الأقوى .
وفيه نظر، لأنه إن استلزم الإقرار لم يكن فرق بين العين والدين، وإن لم يستلزمه فكذلك، فالتفريق بينهما لا وجه له.
ولو تنازع جماعة مشتركون في مال مع غيرهم ، فأقاموا شاهداً واحداً وحلف بعضهم دون بعض، فإنه يثبت حصّة الحالف دون غيره، لأن يمين كلّ واحد منهم جزء، ولولاه فالخصومة باقية.
(1) شرائع الإسلام 4 : 71.
(2) العروة الوثقى 3 : 16.
(3) مستند الشيعة 17 : 75.
(4) العروة الوثقى 13 : 17.