المسألة الثالثة
( هل يجوز الرجوع إلى المفضول مع وجود الأفضل ؟ )
قال المحقق قدّس سرّه: « إذا وجد اثنان متفاوتان في الفضيلة مع استكمال الشرائط المعتبرة فيهما، فإن قلّد الأفضل جاز »(1).
أقول: لا خلاف ولا إشكال في ذلك، وفي (الجواهر)(2): وإن كان المفضول أورع، لأن الملاك ـ وهو العدالة المانعة من الاقتحام في المحرّمات وترك الواجبات ـ موجود في كليهما، والشرائط المعتبرة متوفّرة فيهما، والأعلم مقدّم على غيره.
قال المحقق قدّس سرّه: « وهل يجوز العدول إلى المفضول ؟ فيه تردّد ، والوجه الجواز ، لأن خلله ينجبر بنظر الإمام ».
أقول: وجه الجواز: اشتراك المفضول والأفضل معاً في الأهليّة، ولزوم العسر والحرج على العامي في معرفة الأفضل، وأن الصحابة كانوا يتصدّون لذلك من غير توقف ولا إنكار، مع أنهم كانوا متفاوتين في الفضيلة، فكأنهم قد أجمعوا على جواز ذلك.
وأجيب عن الأوّل: بأن الأهلية لكل منهما تجوّز التصدي وتوجب نفوذ الحكم، ولكن جواز رجوع المترافعين إلى المفضول مع وجود الأفضل أوّل الكلام.
وعن الثاني: بأنه إن كانت معرفة أصل الأهليّة ممكنة له، فإن معرفة الأعلمّية ممكنة أيضاً.
وعن الثالث: بأن الأصحاب الذين أعرضوا عن أمير المؤمنين عليه السلام ـ وهو الأفضل من جميع الجهات، وصاحب الولاية العظمى بنص من الله عز وجل ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ليس عملهم حجة عندنا.
ووجه المنع: إنه مقتضى مقبولة عمر بن حنظلة(3).
وفيه: إن هذا في ظرف المعارضة، وأما في غيره فلا دليل على تقدّم قول الأعلم. بل يفهم من المقبولة نفسها أن لكليهما صلاحية الحكم وأهليّته ، وإنما حكم الإمام عليه السلام بتقدّم قول الأعلم لدى الاختلاف بينهما. ويشهد بهذا قوله عليه السلام في معتبرة أبي خديجة: « أنظروا إلى رجل منكم يعلم… » وإلا لقال من أوّل الأمر:… إلى رجل أعلم…
وأن الظن الحاصل من حكم الأفضل أقوى من الظن الحاصل من حكم المفضول، فيجب اتبّاعه بحكم العقل دونه.
وفيه: إن هذا أوّل الكلام ، فربما يكون الظن الحاصل من حكم المفضول أقوى.
سلّمنا، ولكن ما الدليل الشرعي على تقدم ما يفيد الظن الأقوى ؟(4) .
وقد رتّب في (المسالك) القولين على أن المقلد هل يجب عليه تقليد أعلم المجتهدين أم يتخير في تقليد من شاء منهم ؟
وفيه: أن الظاهر كون الملازمة من طرف واحد كما سيتضح ذلك قريباً، وكأن صاحب (الجواهر) قدّس سرّه وافقه على هذه الملازمة ـ وإن لم يصرّح بها ـ لاستدلاله بنفس هذه الأدلّة للقول بجواز العدول عن الأفضل، وإن أجاب عنها بعد ذلك بمثل ما تقدم منّا في الجواب.
لكن ظاهر المحقق عدم القول بتلك الملازمة فإنه قال: « الوجه الجواز ، لأن خلله ينجبر بنظر الإمام » وهذا يرتبط بحال حضور الإمام عليه السلام ونصبه للمفضول، �