3 ـ عبـد الله بن خالد بن أُسـيد
قال ابن عساكر: «لمّا مات زياد سنة 53، استخلف ـ يعني على الكوفة ـ عبـد الله بن خالد بن أُسيد، فعزله معاوية وولاّها الضحّاك بن قيـس…»(1).
وقال ابن الأثير: «استعمله زياد على بلاد فارس، واستخلفه زياد حين مات، وهو الذي صلّى على زياد، وأقرّه معاوية على الولاية بعد زياد. قاله الزبير»(2).
وقـال اليعقـوبي: «لمّـا نـزل بـه المـوت ـ أي بزياد بن أبيه ـ كـتب إلى معاوية: إنّي أكـتب إلى أميـر المؤمنين وأنـا في آخـر يوم من الدنيا وأوّل يوم من الآخـرة، وقد اسـتخلفت على عملي عبـد الله بن خالد بن أُسـيد.
فلمّا توفّي زياد ووضع نعشه ليصلّى عليه تقدّم عبيـد الله ابنه فنحّاه، وتقدّم عبـد الله بن خالد فصلّى عليه، فلمّا فرغ من دفنه خرج عبيـد الله من ساعته إلى معاوية، فلمّا قيل لمعاوية: هذا عبيـد الله; قال: يا بني! ما منع أباك أنْ يستخلفك؟! أما لو فعل لفعلت; فقال: نشدتك الله يا أمير المؤمنين أن يقولها لي أحد بعدك ما منع أباه وعمّه أن يستعملاه؟! فولاّه خراسان، وصيّر إليه ثغـرَي الهند»(3).
وهو عبـد الله بن خالد بن أُسيد بن أبي العيص بن أُميّة، اختلفوا في صحبته ورؤيته للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم(4).
وقد كان عبـد الله بن خالد صهر عثمان بن عفّان(5)، وكان عنده مقرّباً، حتّى إنّه لمّا فَعَلَ بأهل مكّة ما فعل في توسعة المسجد الحرام فأمر بحبسهم، كلّمه فيهم عبـد الله بن خالد(6).
وأعطاه عثمان مرّةً خمسين ألفاً، فاعترض عليه كبار الصحابة; فقد جاء في خبر أنّ عثمان قال مخاطباً لعليّ وطلحة والزبير ـ وكان معاوية حاضراً ـ : «أنا أُخبركم عنّي وعمّا وليت، إنّ صاحبَيَّ اللذين كانا قبلي ظلما أنفسهما ومَن كان منهما بسبيل احتساباً، وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يعطي قرابته، وأنا في رهط أهل عيلة وقلّة معاش، فبسـطت يدي في شيء من ذلك لِما أقوم به فيه، فإنْ رأيتم خطأً فردّوه، فأمري لأمركم تبـع.
قالوا: أصبت وأحسنت، إنّك أعطيت عبـد الله بن خالد بن أُسيد خمسين ألفاً، وأعطيت مروان خمسة عشر ألفاً، فاستعدها منهما. فاسـتعادها، فخرجوا راضيـن»(7).
وكان عبـد الله عاملا لعثمان على مكّـة، وبها مات(8).
وقد ذكروا عنه أنّه كان يرى الأمر لوُلد عثمان من بعده، ولذا لم يشارك في وقعة الجمل، بل فارق القوم ورجع…
? قال الطبري:
«حدّثني عمر بن شبّة، قال: حدّثنا أبو الحسـن، قال: أخبرنا أبو عمرو، عن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، قال: لقي سعيدُ بن العاص مروانَ ابن الحكم وأصحابه بذات عرق، فقال: أين تذهبون وثأركم على أعجاز الإبل؟! اقتلوهم ثمّ ارجعوا إلى منازلكم لا تقتلوا أنفسكم.
قالوا: بل نسـير، فلعلّنا نقتل قتلة عثمان جميعاً.
فخلا سعيد بطلحة والزبير، فقال: إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني!
قالا: لأحدنا، أيّنا اختاره الناس.
قال: بل اجعلوه لوُلد عثمان، فإنّـكم خرجتم تطلبون بدمه.
قالا: ندع شـيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم؟!
قال: أفلا أراني أسعى لأُخرجها من بني عبـد مناف.
فرجع ورجع عبـد الله بن خالد بن أُسيد، فقال المغيرة بن شعبة: الرأي ما رأى سعيد، مَن كان ها هنا من ثقيف فليرجع; فرجع ومضى القوم معهم أبان بن عثمان والوليد بن عثمان، فاختلفوا في الطريق، فقالوا: من ندعو لهذا الأمر؟ فخلا الزبير بابنه عبـد الله، وخلا طلحة بعلقمة بن وقّاص الليثي ـ وكان يؤثره على ولده ـ، فقال أحدهما: ائت الشأم; وقال الآخر: ائت العراق; وحاور كلّ واحد منهما صاحبه، ثمّ اتّفقا على البصرة»(9).
? وقال ابن الأثير:
«فلمّا بلغوا ذات عرق لقي سعيدُ بن العاص مروانَ بن الحكم وأصحابه بها، فقال: أين تذهبون وتتركون ثأركم على أعجاز الإبل وراءكم؟! ـ يعني: عائشة وطلحة والزبير ـ اقتلوهم ثمّ ارجعوا إلى منازلكم.
فقالوا: نسـير، فلعلّنا نقتل قتلة عثمان جميعاً.
فخلا سعيد بطلحة والزبير، فقال: إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني!
قالا: نجعله لأحدنا، أيّنا اختاره الناس.
قال: بل تجعلونه لوُلد عثمان، فإنّـكم خرجتم تطلبون بدمه.
فقالا: ندع شـيوخ المهاجرين ونجعلها لأيتام؟!
قال: فلا أراني أسعى إلاّ لإخراجها من بني عبـد مناف.
فرجع ورجع عبـد الله بن خالد بن أُسـيد.
وقال المغيرة بن شعبة: الرأي ما قال سعيد; مَن كان ها هنا من ثقيف فليرجع; فرجع، ومضى القوم ومعهم أبان والوليد ابنا عثمان»(10).
? وقال ابن خلدون:
«وودّع أُمّهاتُ المؤمنين عائشةَ من ذات عرق باكيات، وأشار سعيد ابن العاصي على مروان بن الحكم وأصحابه بإدراك ثارهم من عائشة وطلحة والزبير.
فقالوا: نسـير لعلّنا نقتل قتلة عثمان جميعاً.
ثمّ جاء إلى طلحة والزبير، فقال: لمن تجعلان الأمر إنْ ظفرتما؟
قالا: لأحدنا الذي تختاره الناس.
فقال: بل اجعلوه لوُلد عثمان; لأنّكم خرجتم تطلبون بدمه!
فقالا: وكيف ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم؟!
قال: فلا أراني أسعى إلاّ لإخراجها من بني عبـد مناف.
فرجع، ورجع عبـد الله بن خالد بن أُسـيد، ووافقه المغيرة بن شعبة ومن معه من ثقيف فرجعوا. ومضى القوم»(11).
? وقال المقريزي:
«قالا: نجعله لأحدنا، أيّنا اختاره الناس.
قال: بل تجعلونه لوُلد عثمان; فإنّكم خرجتم تطلبون بدمه.
فقالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلهـا لأيتام؟!
قال: فلا أراني أسعى إلاّ لإخراجها من بني عبـد مناف.
فرجع ورجع عبـد الله بن خالد بن أُسـيد، وقال المغيرة بن شعبة: الرأي ما قال سـعيد، مَن كان ها هنا من ثقيف فليرجع.
فرجع، ومضى القوم ومعهم أبان والوليد ابنا عثمان، وأعطى يعلى بن منبّه عائشةَ جملا اسمه عسكر اشـتراه بثمانين ديناراً، فركبته، وقيل: بل كان جملها لرجل من عرينـة»(12).
هذا، وكأنّ معاوية لم يجد فيه الرجل المناسب لتطبيق خططه ومآربه في الكوفة، من أجل القضاء على الشيعة وتقوية الحزب الأُموي تمهيداً لحكومة يزيد من بعده، ويشهد بذلك إجراؤه الحدَّ على عمر بن سعد بن أبي وقّاص ـ وهو من أعيان الحزب المذكور ـ كما روى ابن حبيب البغدادي حيث قال: «وحدّ عبـدُ الله بن خالد بن أُسيد عمرَ بن سعد بن أبي وقّاص، فغضب، فوفد على معاوية فشكا إليه عبـد الله بن خالد وما ركبه به، وأخبره أنّه ظلمه، وسأله أن يقتصّ له منه، وأنْ يأخذ له منه حقّه.
فقال معاوية: يا بن أخي! وجـدته والله صلاته من بني عبـد شمس.
فقال عمر: يا أمير المؤمنين! بك والله بدأ حين ضرب أخاك عنبسة بالطائف ثمّ لم تنتقم منـه»(13).
فلهذه الأُمور وغيرها عزله عن الكوفة(14).
لكنّه ـ على كلّ حال ـ من بني أُميّة لا شبهة فيه(15)، فجعله والياً على مكّة، قال الفاكهاني: «ومن ولاة مكّة أيضاً: عبـد الله بن خالد بن أُسيد في زمن معاوية»(16).
(1) تاريخ دمشق 24 / 289، وانظر: تاريخ خليفة بن خيّـاط: 165.
(2) أُسد الغابة 3 / 117 رقم 2910، وانظر: نسـب قريش: 188، الإصابة 4 / 72 رقم 4645.
(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 147 ـ 148.
(4) أُسد الغابة 3 / 117 رقم 2910، الإصابة 4 / 71 رقم 4645، وغيرهما.
(5) كتاب المحبّر: 55، أنساب الأشراف 6 / 232، تاريخ اليعقوبي 2 / 64.
(6) الإصابة 4 / 72.
(7) شرح نهج البلاغة 2 / 138.
(8) أخبار مكّـة ـ للفاكهاني ـ 3 / 164.
(9) تاريخ الطبري 3 / 9 حوادث سـنة 36 هـ.
(10) الكامل في التاريخ 3 / 102 ـ 103 حوادث سـنة 36 هـ.
(11) تاريخ ابن خلدون 2 ق 5 / 580 ـ 581.
(12) إمتاع الأسماع 13 / 232.
(13) المنمّق: 398.
(14) انظر: البداية والنهاية 8 / 58.
(15) نسـب قريـش: 187، جمهرة أنساب العرب ـ لابن حزم ـ : 113، أُسد الغابة 3 / 117 رقم 2910، الإصابة 4 / 71 رقم 4645.
(16) أخبار مكّة 3 / 176 ـ 177، وانظر: الزهور المقتطفة ـ للفاسي ـ : 211 ب 37.