دور زياد في القضاء على رجالات الشـيعة
فكم من شخصيّة شيعية بارزة ومن رؤساء القبائل العربية في الكوفة، استشهد على يد زياد، أو سجن، أو شُرّد في البلاد! وكم قطع الأيدي والأرجل وسمل الأعين!
قتل حُجر بن عديّ الكـندي
ولعلّ من أهمّ وأقدم إجراءات زياد في الكوفة: قتله حجراً وعمرَو بن الحَمِق.
أمّا حُجر بن عديّ، فهو من أجلاّء أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بل لقد وصفه بعضهم بقوله: «هو راهب أصحاب محمّـد»(1).
ترجم له كبار المؤرّخين والرجاليّين:
قال ابن عبـد البرّ: «كان من فضلاء الصحابة، وصغر سـنّه عن كبارهم، وكان على كندة يوم صِفّين، وكان على الميسرة يوم النهروان»(2).
وقال ابن حجر: «شهد القادسـية، وإنّه شهد بعد ذلك الجمل وصِفّين، وصحب عليّـاً فكان من شـيعته، وقُتل بمرج عذراء(3) بأمر معاوية»(4).
وقال ابن الأثير: «كان من فضلاء الصحابة، وكان على كندة بصِفّين، وعلى الميسرة يوم النهروان، وشهد الجمل أيضاً مع عليّ، وكان من أعيان أصحابه»(5).
وقال ابن كثير: «وفد إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم… وكان هذا الرجل من عبّاد الناس وزهّادهم، وكان بارّاً بأُمّه، وكان كثير الصلاة والصيام… ما أحدث قطّ إلاّ توضّأ، ولا توضّأ إلاّ صلّى ركعتين»(6).
وقال الذهبي: «كان شريفاً، أميراً مطاعاً، أمّاراً بالمعروف، مقدِماً على الإنكار، من شـيعة عليّ رضي الله عنهما، شهد صِفّين أميراً، وكان ذا صلاح وتعـبُّـد»(7).
قال أحمد بن حنبل: «قلت ليحيى بن سليمان: أَبلَغك أنّ حُجراً كان مستجاب الدعوة؟ قال: نعم، وكان من أفاضل أصحاب النبي صلّى الله عليـه وآله وسلّم»(8).
وقال ابن سعد: «كان ثقة معروفاً، ولم يرو عن غير عليّ شـيئاً»(9).
قال الحاكم: «قُتل في موالاة عليّ»(10).
وقد ذُكرت كيفيّة قتله في مختلف الكـتب بالتفصيل(11).
وكان زياد قد ألقى القبض على أربعة عشر رجلا من أصحاب حُجر وأرسلهم معه إلى الشام، فَقَتَل معاوية منهم خمسة مع حُجر، وهم: شريك ابن شدّاد الحضرمي، وصيفي بن فسيل الشيباني، وقبيصة بن ضبيعة العبسي، ومحرز بن شهاب السعدي ثمّ المنقري، وكدام بن حيان العنزي.
وبعث معاوية عبـد الرحمن بن حسّان العنزي إلى زياد، فدفنه بالكوفة حيّـاً.
وأمّا السبعة الآخرون وهم: عبـد الله بن حوية التميمي، وسعيد بن نمران الهمداني، وكريم بن عفيف الخثعمي، وعاصم بن عوف البجلي، وورقاء بن سمي البجلي، والأرقم بن عبـد الله الكندي، وعتبة بن الأخنس، فقد شفع فيهم بعض الشخصيات عند معاوية فأطلقهم(12).
وبما أنّ حُجراً كان من الصحابة الأجلاّء، فقد احتاجوا لإلقاء القبض عليه وقتله إلى إقامة الشهادة على إبائه من البراءة من أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، هذا الجرم الكبير الذي يُستحقُّ به القتل!! فكان من الشهود جمع كبير من الصحابة وأبناء الصحابة وسائر الشخصيات من الحزب الأُموي والخوارج، منهم:
عمرو بن حريث
خالد بن عرفطة
أبو بردة بن أبي موسى الأشعري
قيـس بن الوليد بن عبـد شمس بن المغيرة
إسحاق بن طلحة بن عبيـد الله
موسى بن طلحة بن عبيـد الله
إسماعيل بن طلحة بن عبيـد الله
المنذر بن الزبير بن العوّام
عمر بن سعد بن أبي وقّاص
عمارة بن عقبة بن أبي معيط
شـبث بن ربعي
القعقاع بن شور الذهلي
حجّار بن أبجر العجلي
عمرو بن الحجّاج الزبيدي
شمر بن ذي الجوشن
زحر بن قيس
كـثير بن شهاب
عامر بن مسعود بن أُميّة بن خلف
محرز بن جارية بن ربيعة بن عبـد العزّى بن عبـد شمس
عبيـد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي
عناق بن شرحبيل بن أبي دهم
وائل بن حجر الحضرمي
مصقلة بن هبيرة الشـيباني
قطن بن عبـد الله بن حصين الحارثي
السائب بن الأقرع الثقفي
لبيد بن عطارد التميمي
محضر بن ثعلبة
عبـد الرحمن بن قيـس الأسدي
عزرة بن عزرة الأحمسي(13).
وكان وائل بن حجر الحضرمي وكـثير بن شهاب الحارثي على رأس الجماعة الّذين أخذوا حُجراً وأصحابه إلى معاوية.
وإنّما ذكرنا أسماء الشهود لنقاط:
1 ـ ليُعلم أنّ الصحابي أو التابعي قد يشهد شهادة زور ويشترك في قتل النفس المحترمة!
2 ـ ولأنّ جماعةً كبيرةً من هؤلاء تجد أسماءهم في قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة، وفي من حضر واقعة كربلاء لقتل سـبط رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سـيّد الشهداء.
3 ـ وهم من رجال الصحاح السـتّة عند أهل السُـنّة الموثوقين المعتمدين، فاعرف قيمة كتبهم وعمّن يأخذون أحكامهم!!
هذا، وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أخبر عن هذه الواقعة كما في رواية ابن عساكر: «عن أبي الأسود، قال: دخل معاوية على عائشة فقالت: ما حملك على قتل حُجر وأصحابه؟ فقال: يا أُمّ المؤمنين! إنّي رأيت قتلهم صلاحاً للأُمّة، وأنّ بقاءَهم فسادٌ للأُمّـة.
فقالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: سيُقتل بعذراء ناس يغضب اللهُ لهم وأهلُ السماء»(14).
وأخبر بذلك أمير المؤمنين، فقد روى ابن عساكر: «عن ابن زرير الغافقي، عن عليّ بن أبي طالب، قال: يا أهل الكوفة! سيُقتل فيكم سبعة نفر من خياركم، مثلهم كمثل أصحاب الأُخدود»(15).
ومن العجب قوله لعائشة: «إنّي رأيت قتلهم صلاحاً للأُمّة…» حتّى إذا أوشك على الموت قال: «يومي منك يا حُجر طويل»(16)، وفي رواية أُخرى قال: «ما قتلت أحداً إلاّ وأنا أعرف فيمَ قتلته وما أردت به، ما خلا حُجر بن عديّ، فإنّي لا أعرف فيما قتلته؟!»(17).
وأيضاً، فقد روي أنّه لمّا قالت له عائشة: «يا معاوية، أما خشيت الله في قتل حُجر وأصحابه؟» قال: «لسـتُ أنا قتلتهم، إنّما قتلهم من شهد عليهم»(18).
وأوصى حُجر بأنْ يدفنوه بثيابه ودمائـه قائلا: «لا تغسلوا عنّي دماً، ولا تطلقوا عنّي حديداً، وادفنوني في ثيابي، فإنّي ألتقي أنا ومعاوية على الجادّة غداً»(19).
(1) المستدرك على الصحيحين 3 / 531 كـتاب معرفة الصحابة.
(2) الاسـتيعاب 1 / 329 رقم 487.
(3) مرج عذراء: من قرى غوطة دمشق، تقع في الشمال الشرقي منها، وتبعد عنها خمسة عشر ميلا تقريباً، وبها قبر حجر بن عديّ وأصحابه في مسجدها، ولا تزال إلى يومنا هذا، وأخطأ من زعم أنّه دُفن مع أصحابه بمسجد السادات الموجود في حيّ مسجد الأقصاب.
انظر: معجم ما اسـتعجم 3 / 926 ـ 927، معجم البلدان 4 / 103 رقم 8251، مراصد الاطّلاع 2 / 925.
(4) الإصابة 2 / 37 رقم 1631.
(5) أُسد الغابة 1 / 461 رقم 1093.
(6) البداية والنهاية 8 / 41 حوادث سـنة 51 هـ.
(7) سير أعلام النبلاء 3 / 463 رقم 95.
(8) الاستيعاب 1 / 331.
(9) الطبقات الكبرى 6 / 244 رقم 2212.
(10) المستدرك على الصحيحين 3 / 534 ح 5983.
(11) انظر مثلا: تاريخ الطبري 3 / 218 ـ 233، الأغاني 17 / 137 ـ 159، الكامـل في التاريخ 3 / 326 ـ 338، البداية والنهاية 8 / 40 ـ 45.
(12) تاريخ دمشق 8 / 27.
(13) انظر: تاريخ الطبري 3 / 220 ـ 231، الكامل في التاريخ 3 / 326 ـ 338، البداية والنهاية 8 / 40 ـ 45.
(14) تاريخ دمشق 12 / 226، وانظر: بغية الطلب 5 / 2129، كنز العمّال 11 / 126 ح 30887، الجامع الصغير: 293 ح 4765.
(15) تاريخ دمشق 12 / 227.
(16) انظر: تاريخ الطبري 3 / 220، الكامل في التاريخ 3 / 338.
(17) تاريخ دمشق 12 / 231، بغية الطلب 5 / 2127.
(18) تاريخ الطبري 3 / 232، الاسـتيعاب 1 / 331.
(19) مصنّف ابن أبي شيبة 3 / 139 ب 29 ح 2، المسـتدرك على الصحيحين 3 / 533 ح 5979.