المقـدّمة السادسـة
في مجمل ترجمة يزيد
لقد أجمع المؤرّخون، واتّفقت المصادر، وأطبقت الأخبار، على أنّ يزيد كان يرتكب أنواع الفجور والفسوق والكبائر الموجبة للدخول في النار والخلود في العذاب الأليم…
فقد نصّ البلاذري على أنّ يزيد كان أوّل من أظهر شرب الشراب والاستهتار بالغناء، والصيد، واتّخاذ القيان والغلمان، والتفكّه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعاقرة بالكلاب والديكة(1)@.
وقال ابن كثير: إنّ يزيد كان قد اشتهر بالمعازف وشرب الخمر والغناء والصيد واتّخاذ الغلمان والقيان والكلاب والنطاح بين الكباش والدباب والقرود، وما من يوم إلاّ يصبح فيه مخموراً، وكان يشـدّ القرد على فرس مسرجة بحبال ويسوق به، ويلبـس القرد قلانـس الذهب، وكذلك الغلمان، وكان يسابق بين الخيل، وكان إذا مات القرد حزن عليه، وقيل: إنّ سبب موته أنّه حمل قردة وجعل ينقزها فعضّته…(2)@.
قال: كان يزيد في حداثته صاحب شراب… فأحسّ معاوية بذلك فأحبّ أن يعظه في رفق، فقال: يا بنيّ! ما أقدرك على أن تصل إلى حاجتك من غير تهتّك يذهب بمروءتك وقدرك، ويشمت بك عدوّك ويسيء بك صديقك.
ثمّ قال: يا بني! إنّي منشدك أبياتاً فتأدّب بها واحفظها; فأنشده:
أنصب نهاراً في طلاب العلا *** واصبر على هجر الحبيب القريبِ
حتّى إذا الليل أتى بالدجى *** واكتحلت بالغمض عينُ الرقيبِ
فباشر الليل بما تشتهي *** فإنّما الليل نهار الأريبِ
كم فاسق تحسبه ناسكاً *** قد باشر الليل بأمر عجيبِ
غطّى عليه الليل أستاره *** فبات في أمن وعيش خصيبِ
ولذّة الأحمق مكشوفة *** يسعى بها كلّ عدوّ مريبِ(3)@
وروى الواقدي وابن سعد وجماعة قول عبـد الله بن حنظلة لأهل المدينة: يا قوم اتّقوا الله، فوالله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء، إنّه رجل ينكح أُمّهات الأولاد والبنات والأخوات، ويشرب الخلّ، ويدع الصلاة…(4)@.
ومات يزيد بحوارين ـ قرية من قرى دمشق ـ لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل سنة 64 وهو ابن 38 سنة.
قال ابن حبّان: وقد قيل: إنّ يزيد بن معاوية سكر ليلة وقام يرقص، فسقط على رأسه وتناثر دماغه فمات(5)@.
ولهذه الأغراض كان يذهب إلى حُـوّارِين، وكان بها لمّا مات معاوية(6)@.
***
(1) أنساب الأشراف 5 / 299.
(2) البداية والنهاية 8 / 189 حوادث سـنة 64.
(3) البداية والنهاية 8 / 183 حوادث سـنة 64.
(4) تاريخ الإسلام، حوادث سـنة 63.
(5) الثقات 2 / 314.
(6) تاريخ دمشق 59 / 231.