المقـدّمة الثالثـة
في أهمّ بنود الصلح
بين الإمام الحسـن عليه السلام ومعاوية
لقد كان من أهمّ بنود المعاهدة بين الإمام الحسـن عليه السلام ومعاوية: أنْ لا يغتال الحسـن والحسـين، وأنْ يترك سبّ أمير المؤمنين، وأنْ لا يعهد بالأمر لأحد من بعده، بل يرجع الأمر إلى الإمام الحسـن عليه السلام..
قال ابن حجر: «وذكر محمّـد بن قدامة في كتاب الخوارج بسند قوي إلى أبي بصرة، أنّه سمع الحسـن بن عليّ يقول في خطبته عند معاوية: إنّي اشترطت على معاوية لنفسي الخلافة بعده.
وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح إلى الزهري، قال: كاتبَ الحسـن بن عليّ معاوية واشترط لنفسه، فوصلت الصحيفة لمعاوية وقد أرسل إلى الحسـن يسأله الصلح، ومع الرسول صحيفة بيضاء مختوم على أسفلها، وكتب إليه: أن اشترط ما شئت فهو لك; فاشترط الحسـن أضعاف ما كان سأل أوّلا، فلمّا التقيا وبايعه الحسـن سأله أن يعطيه ما اشترط في السجلّ الذي ختم معاوية في أسفله، فتمسّك معاوية إلاّ ما كان الحسـن سأله أوّلا، واحتجّ بأنّه أجاب سؤاله أوّل ما وقف عليه، فاختلفا في ذلك، فلم ينفـذ للحسـن من الشرطين شيء!
وأخرج ابن أبي خيثمة من طريق عبـد الله بن شوذب، قال: لمّا قُتل عليٌّ سار الحسـن بن عليّ في أهل العراق ومعاوية في أهل الشام فالتقوا، فكره الحسـن القتال وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعـده»(1)@.
ونقل ابن عبـد البرّ إجماع العلماء على أنّ الصلح كان على شرط ولاية العهد للإمام الحسـن عليه السلام، حيث قال: «هذا أصحّ ما قيل في تاريخ عام الجماعة، وعليه أكثر أهل هذه الصناعة، من أهل السير والعلم بالخبر، وكلّ من قال: إنّ الجماعة كانت سنة أربعين، فقد وهم، ولم يقل بعلم، والله أعلم.
ولم يختلفوا أنّ المُغِيْرَة حجَّ عام أربعين على ما ذكر أبو معشر، ولو كان الاجتماع على معاوية قبل ذلك، لم يكن كذلك، والله أعلم.
ولا خلاف بين العلمـاء أنّ الحسـن إنّما سلّم الخلافة لمعاوية حياته لا غير، ثمّ تكون له من بعده، وعلى ذلك انعقد بينهما ما انعقد في ذلك، ورأى الحسـن ذلك خيراً من إراقة الدماء في طلبها، وإنْ كان عند نفسه أحقَّ بها»(2)@.
وفي «ذخائر العقبى»: «فأجابه معاوية، إلاّ أنّه قال: أمّا عشرة أنفس فلا أُؤمّنُهم! فراجعه الحسـن فيهم، فكتب إليه يقول: إنّي قد آليت أنّني متى ظفـرت بقيـس بن سـعد أن أقطع لسانه ويده; فراجعـه الحسـن: إنّي لا أُبايعـك أبداً وأنت تطلب قيساً أو غيره بتبعة، قلَّتْ أو كثرت; فبعث إليه معاوية حينئذ برقّ أبيض وقال: اكتب ما شئت فيه، فأنا ألتزمه! فاصطلحا على ذلك.
واشترط عليه الحسـن أن يكون له الأمر من بعده، فالتزم ذلك كلّه معاوية، واصطلحا على ذلك»(3)@.
أمّا ابن عنبة في «عمدة الطالب»، فقال: «وشرط عليه شروطاً إن هو أجابه إليها سلّم إليه الأمر، منها: أنّ له ولاية الأمر بعده، فإن حدث به حدث فللحسـين»(4)@.
***
(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 13 / 81 ب 20 ح 7109.
وانظر: سـير أعلام النبلاء 3 / 264، وتاريخ دمشق 13 / 261، والاستيعاب 1 / 386، وتهذيب التهذيب 2 / 276، والبداية والنهاية 8 / 13، والإصابة 2 / 72، وتاريخ الخلفاء: 227، وغيـرها.
(2) الاسـتيعاب 1 / 387.
(3) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 240.
(4) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: 67.