المقـدّمة الأُولى
في تأسـيـس معاوية الدولة الأُموية
إنّ من الأخبار المشتهرة قولة أبي سفيان لمّا تمّت البيعة لعثمان بن عفّان:
«تلقّفوها يا بني أُميّـة تلقّف الكرة، فما الأمر على ما يقولون»(1).
«يا بني أُميّـة! تلقّفوها تلقّف الكرة»(2).
«قد صارت إليك بعد تيم وعديّ، فأدِرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أُميّـة، فإنّما هو الملك، ولا أدري ما جَنّـة ولا نار»(3).
«يا بني عبـد مناف! تلقّفوها تلقّف الكرة، فما هناك جَنّـة ولا نار»(4).
كما رووا أنّـه قال حين قُبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «تلقّفوها الآن تلقّف الكرة، فما من جَنّـة ولا نار»(5).
قال المسعودي: «وقد كان عمّار حين بويع عثمان بلغه قول أبي سفيان صخر بن حرب في دار عثمان، عقيب الوقت الذي بويع فيه عثمان ودخل داره ومعه بنو أُميّة، فقال أبو سفيان: أفيكم أحد من غيركم…
ونُمِيَ هذا القول إلى المهاجرين والأنصار وغير ذلك الكلام، فقام عمّار في المسجد فقال: يا معشر قريش! أمَـا إذ صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم صلّى الله عليه وآله وسلّم ها هنا مرّة وها هنا مرّة! فما أنا بآمن من أن ينزعه الله منكم فيضعه في غيركم، كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله!
وقام المقداد فقال: ما رأيت مثل ما أُوذي به أهل هذا البيت بعد نبيهم!
فقال له عبـد الرحمن بن عوف: وما أنت وذاك يا مقداد بن عمرو؟!
فقال: إنّي والله لأُحبّهم لحبّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إيّـاهم، وإنّ الحقّ معهم وفيهم.
يا عبـد الرحمن! أعجبُ من قريش، وإنّما تطوُّلُهم على الناس بفضل أهل هذا البيت، قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعده من أيديهم!
أمَا وأَيْمُ الله يا عبـد الرحمن لو أجد على قريش أنصاراً لقاتلتهم كقتالي إيّـاهم مع النبيّ يوم بدر!
وجرى بينهم من الكلام خطب طويل، قد أتينا على ذِكره في كتابنا أخبار الزمان في أخبار الشورى والدار»(6).
وأضافت بعض الروايات أنّ أبا سفيان قال في كلامه: «فوالذي يحلف به أبو سفيان، ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرَنّ إلى صبيانكم وراثةً»(7).
قالوا: «وقد مرّ بقبر حمزة رضي الله عنه، وضربه برجله وقال: يا أبا عُمارة، إنّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسـيف أمسى في يد غِلماننا اليوم يتلعّبون به»(8).
وهذا ما صرّح به معاوية أيضاً في مناسبات مختلفة، ومن ذلك: إنّه لمّا قال له مسلم بن عقبة ـ مقترحاً عليه أن يعهد بالأمر ليزيد ـ فقال:
«صدقت يا مسلم! إنّه لم يزل رأيي من يزيد، وهل تستقيم الناس لغير يزيد؟! ليتها في وُلدي وذرّيّتي إلى يوم الدين، وأن لا تعلو ذرّيّة أبي تراب على ذرّيّة آل أبي سفيان»(9).
وعن زرارة بن أوفى، «أنّ معاوية خطب الناس فقال: يا أيّها الناس! إنّا نحن أحقّ بهذا الأمر، نحن شجرة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبيضته التي انفلقت عنه، ونحن ونحن. فقال صعصعة: فأين بنو هاشم منكم؟! قال: نحن أسوسُ منهم، وهم خيرٌ منّـا»(10).
ومن ذلك كلامه لمّا جاء إلى الكوفة بعد الصلح مع الإمام الحسـن عليه السلام، وكلامه مع ابنة عثمان بن عفّان لمّا طالبته بالاقتصاص من قتلة أبيها… وسـيأتي ذلك كلّه.
وقد كان بدايـة الدولـة الأُمويّـة من حين ولّى أبو بكر ابن أبي قحافـة ـ بإصرار من عمر بن الخطّاب ـ يزيدَ بن أبي سفيان على الشام، فكان أوّل وال من آل أبي سفيان(11)…
(1) أنساب الأشراف 5 / 19.
(2) مروج الذهب 2 / 343.
(3) الاسـتيعاب 4 / 1679.
(4) تاريخ الطبري 5 / 622 حوادث سنة 284 هـ، المختصر في أخبار البشر 2 / 57.
(5) أنساب الأشراف 5 / 19.
(6) مروج الذهب 2 / 342 ـ 343.
(7) مروج الذهب 2 / 343.
(8) شرح نهج البلاغة 16 / 136.
(9) الفتوح ـ لابن الأعثم ـ 4 / 351.
(10) تاريخ دمشق 24 / 90 ـ 91.
(11) تاريخ الطبري 2 / 331 حوادث سـنة 13 هـ.