الغـزّالي
وأمّا الغـزّالي… فهذه نصوص كلماته باختصار:
«فإن قيل: هل يجوز لعن يزيد، لأنّه قاتل الحسـين أو آمر به؟
قلنا: هذا لم يثبت أصلا…
فإن قيل: فهل يجوز أن يقال: قاتل الحسـين لعنه الله، أو: الآمر بقتله لعنه الله؟
قلنا: الصواب أن يقال: قاتل الحسـين إنْ مات قبل التوبة لعنه الله، لأنّه يحتمل أنْ يموت بعد التوبة…»(1).
ولمّا سُـئل عن لعن يزيد بن معاوية، أجاب:
«لا يجـوز لعن المسلم أصلا، ومن لعن المسـلم فهو الملعـون… ويزيد صحّ إسـلامُه، ومـا صـحّ قتلُـه للحسـين رضي الله عنـه، ولا أَمـرُه ولا رِضاه بذلك، ومهما لم يصحّ ذلك عنه لم يجز أنْ يظنّ ذلك به، فإنّ إساءة الظنّ ـ أيضاً ـ بالمسلم حرام، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّـنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)(2)، وقال صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله حرّم من المسلم دمه وماله وعرضه، وأنْ يُظنّ به ظنّ السوء.
ومن أراد أن يعلم حقيقة مَن الذي أمر بقتله لم يقدر على ذلك، وإذا لم يعلم وجب إحسان الظنّ بكلّ مسلم يمكن إحسان الظنّ به.
ومع هذا، لو ثبت على مسلم أنّه قتل مسلماً، فمذهب أهل الحقّ أنّه ليس بكافر، والقتل ليـس بكفر، بل هو معصية، وإذا مات القاتل فربّما مات بعد التوبة، والكافر لو تاب من كفره لم يجز لعنه، فكيف مَن تاب مِـن قَـتْـل؟!
ولم يُعرف أنّ قاتل الحسـين مات قبل التوبة، (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ)(3).
فإذاً لا يجوز لعن أحد ممّن مات من المسلمين، ومن لعن كان فاسقاً عاصياً الله عزّ وجلّ، ولو جاز لعنه فسكت لم يكن عاصياً بالإجماع، بل لو لم يلعن إبليس طول عمره لا يقال له في القيامة: لِمَ لَم تلعن إبليس؟! ويقال للاّعن: لِمَ لعنت؟! ومن أين عرفت أنّه ملعون؟!
والملعون هو المبعَد من الله عزّ وجلّ، وذلك لا يُعرف إلاّ في من مات كافراً، فإنّ ذلك عُلم بالشرع.
وأمّا الترحّم عليه فجائز، بل مستحبٌّ، بل داخل في قولنا: اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات; فإنّـه كان مؤمناً»(4).
أقـول:
فهو ـ قبل كلّ شيء ـ يشـكّك في أمر يزيد بقتل الإمام عليه السلام… ثمّ يؤكّد على إسلام الرجل ليحرّم لعنه باحتمال التوبة قبل الموت!
أمّا أنّ يزيد قد أمر بقتل الحسـين عليه السلام فهذا ثابت بالضرورة من التاريخ، وكتب القوم ورواياتهم شاهدة بذلك، وكلمات علمائهم تؤكّده… حتّى إنّ ابن العربي ومَن تبعه يرون خلافة يزيد على حقّ، وأنّ الإمام عليه السلام إنّما قُتل بسيف جدّه ـ والعياذ بالله ـ، وسيأتي تصريح الحافظ بأنّه قاتل الحسـين عليه السلام وإنْ حاول الدفاع عنه بعض الشيء…
وأمّا كفره، فليس لقتل الإمام عليه السلام فقط، بل لأسباب أُخرى أيضاً، ولذا أفتى بذلك مثل أحمد بن حنبل، وسائر أئمّة القوم المعروفين عندهم بالزهد والورع…
ومن العجب أن يضطرّه الدفاع عن يزيد ويلجئه إلى الدفاع عن إبليس وكلّ شيطان مريد، بترجيح السكوت عنه على لعنه، وهو يرى بأُمّ عينيه أنّ الكتاب والسُـنّة مشحونان بلعنه ولعن أتباعه والمطيعين له، وعلى ذلك سـيرة المسلمين كافّـة إلى يومنا هذا!
وما ذلك كلّه إلاّ دفاعاً عن الخلفاء، كما قال عبـد المغيث، وتحامياً عن أن يُرتقى في اللعن إلى الأعلى… كما جاء في كلام التفتازاني…
(1) إحياء علوم الدين 3 / 269 و 270 كـتاب آفات اللسان / الآفة الثامنة.
(2) سورة الحجرات 49: 12.
(3) سورة الشورى 42: 25.
(4) حياة الحيوان الكبرى ـ للدميري ـ 2 / 225 ـ 226.