وَ مَهْبِطَ الْوَحْيِ
«الوحي» لغةً
قال ابن منظور:
الوحي هو الإعلام في خفاء(1).
وقال الفيروزابادي:
الوحي: كلّ ما ألقيته إلى غيرك فهو وحي(2).
وقال الفيّومي:
الوحي: الإشارة والرّسالة والكتابة وكلّ ما ألقيته إلى غيرك ليعلمه وحيٌ كيف كان. قاله ابن فارس(3).
فالمستفاد من كلمات أهل اللّغة هو العموم والإطلاق.
إن الوحي هو الإعلام والإلقاء بأيّ نحو كان الإعلام والإلقاء، وأيّ شيء كان المُعلَم والملقى، ومن أيّ أحد كان، إلى أيّ أحد.
وقد أوضح ذلك الراغب الإصفهاني في كلام طويل هذا موجزه:
أصل الوحي الإشارة السّريعة، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرّد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح، وبالكتابة، وعلى هذه الوجوه قوله:
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوًّا شَياطينَ الاِْنْسِ وَالْجِنِّ يُوحي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْض…)(4).
ويقال للكلمة الإلهيّة التي تلقى إلى أنبيائه وأوليائه وحي، وذلك أضرب حسبما دلّ عليه قوله: (وَما كانَ لِبَشَر أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْيًا بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ)(5)وذلك: إمّا برسول مشاهد كتبليغ جبرئيل للنبيّ في صورة معيّنة، وإمّا بسماع كلام من غير معاينة كسماع موسى كلام الله، وإما بإلقاء في الرّوع، وإمّا بإلهام نحو (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعيهِ)(6) وإمّا بتسخير نحو قوله: (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)(7) أو بمنام(8).
وإنما أوردنا كلّ ذلك، لئلاّ يتوهّم اختصاص «الوحي» بما ينزل من الله على نبيّه شريعةً، فينسب إلينا الغلوّ في الأئمّة الأطهار عليهم السّلام، وحينئذ نقول:
ظاهر العبارة: أن الأئمّة هم «مهبط الوحي» لا أنهم أهل البيت الذي كان ينزل فيه الوحي الإلهي على جدّهم رسول الله صلّى الله عليه وآله، فهذا المعنى صحيح ولا ريب فيه، إلاّ أنه ليس بمراد، لا سيّما وأنه كان في ذلك البيت غيرهم أيضاً.
وليس المراد هو «الوحي» بمعنى «الإلهام» وإنْ كان صحيحاً في نفسه، لأن هذا قد تحقّق لاُمّ موسى، وبينهم وبينها في الفضل بونٌ بعيد.
(1) لسان العرب 15 / 381.
(2) القاموس المحيط 4 / 399.
(3) المصباح المنير: 651.
(4) سورة الشورى، الآية: 3.
(5) سورة الشورى، الآية: 51.
(6) سورة القصص، الآية: 7.
(7) سورة النحل، الآية: 68.
(8) المفردات في غريب القرآن: 515.