وَ الْمُسْتَقِرِّينَ فِي أَمْرِ اللَّهِ
«الإستقرار» لغةً
«المُستقر» هو الثابت والساكن بأمان واطمئنان.
قال الرّاغب:
قرَّ في مكان يقِرّ قراراً، اِذا ثبت ثبوتاً جامداً(1).
أي: لا تطرأ عليه حالة الانتقال من مكان إلى آخر.
وقوله: «جامد» أي ليس مشتقّاً من شيء و لا يقبل التغيير من هيئة إلى هيئة، فهو هو بنفسه.
ومن هنا عبرّ القرآن الكريم عن الآخرة بـ«دار القرار» لأن أهل الجنّة لا يخرجون منها بل «هم فيها خالدون» قال تعالى في وصف الآخرة:
(يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الاْخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ)(2).
وكذلك، أهل النار لا يخرجون منها كما قال في وصف النار:
(جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ)(3).
إذن، فالشيء المستقرّ يقابله الشيء المتحرّك الذي ليس له قرار.
ومن هذا الباب تقسيم الإيمان إلى قسمين:
1 ـ الإيمان المستقر أي الثابت الذي حكاه القرآن الكريم:
(يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الاْخِرَةِ)(4).
2 ـ الإيمان غير الثابت، الذي وصفته الروايات بـ«المستودع». ومصداقه في منطوق الرواية التالية:
«… يصبح الرجل على شريعة من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها، ويُمسي على شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها»(5).
من جانب آخر يأتي الاستقرار على نوعين:
1 ـ الاستقرار الجسمي: وهو ما يرتبط بحركة البدن، كأن يقصد الانسان في حركته الرجوع إلى وطنه أو مقرّه الأصلي، حتى إذا ما وصل كنّ واستقرّ.
2 ـ الاستقرار الروحي: وهو اطمئنان الإنسان روحيّاً وفكريّاً تجاه أمر أو قضيّة معيّنة، بحيث لا يتزحزح ولا يضطرب ولا يتغير حاله تجاهها.
(1) المفردات في غريب القرآن: 397.
(2) سورة غافر، الآية: 39.
(3) سورة إبراهيم، الآية: 29.
(4) سورة إبراهيم، الآية: 27.
(5) كتاب الغيبة للنعماني: 214، مسند أحمد بن حنبل 3 / 453، صحيح مسلم 1 / 76.