وَ الدَّعْوَةِ الْحُسْنَى
وهو معنى ينحو منحى المعنى السّابق، لكون وجودهم وذواتهم عليهم السّلام هي الدعوة الحسنى بعينها إلى الله سبحانه، وقد يُعبّر عنهم بأهل الدعوة الحسنى وأصحابها، وكلا الوجهين واحد. وهناك وجه ثالث سيأتي توضيحه.
قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة باب «دعو» ما نصّه:
الدال والعين والحرف المعتل، أصل واحد، وهو أن تُميل الشيء إليك بصوت وكلام يكون منك.(1)
وهو بيان دقيق وجميل، فكأنك تدعو شخصاً إليك فيلبّي دعوتك ويستجيب إليك، فإذا كانت دعوتك لله تبارك وتعالى بتقديمك حاجاتك إلى ساحة قدسه، والغرض من ذلك أن ينظر إليك جلّ وعلا، لأنّ في هذه النظرة كلّ الخير واللّطف.
«وانظر إلينا نظرة رحيمة» كما في دعاء الندبة(2).
فالأئمّة عليهم السّلام بذواتهم ووجوداتهم دعوة نحو الله تبارك وتعالى في كلّ حالة من حالاتهم، إن سكتوا فهم الدعوة إلى الله، وإن نطقوا فهم الدعوة إليه كذلك، أي يذكّرون الإنسان بالله كي يبقى مواصلا لذكره في حنايا نفسه وطيّات جوانحه وخلايا جوارحه.
فالأئمّة هم السّبب لرأفة الله بالخلق وعنايته، وهم السبب لإقبال الناس وتوجّههم إلى الله، كما ذكر ابن فارس، وهو وإنْ قال «بصوت وكلام» لكنّ الصّوت والكلام ليس دخيلاً في مفهوم «الدّعوة»، إنّ الصوت والكلام واللّفظ أداة لإظهار الحقيقة، والأئمّة بأنفسهم مظاهر الحقائق. وأيضاً، فإنّ الأئمّة بذواتهم «كلمة الله» كما كان عيسى بن مريم عليه السّلام.
(1) معجم مقاييس اللغة 2 / 279.
(2) بحار الأنوار 99 / 110.