ولاية علي الصّراط المستقيم
وجاء في بعض الروايات تفسير ذلك بأمير المؤمنين عليه السّلام كما أورده الخوارزمي في المناقب بسنده عن الإمام الصّادق عليه السّلام أنه قال:
أوحى الله تعالى إلى نبيّه: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراط مُسْتَقيم). فقال: إلهي، ما الصراط المستقيم؟
قال: ولاية علي بن أبي طالب، فعليٌّ هو الصراط المستقيم.(1)
ولا يعتري أيّ مسلم شك في أن اتّباع أمير المؤمنين عليه السّلام بالمفهوم الصّحيح، يوجب السّعادة في الدنيا و النجاة والفوز في الآخرة، وما ذلك إلاّ ليقينه بأن الإمام عليّاً عليه السّلام هو الصراط المستقيم بعينه.
فإذا ما خُيِّر العاقل بين سلوك طريق يوصله إلى الهدف والغاية قطعاً ويقيناً، وبين سلوك طريق آخر مشكوك في نهايته وبلوغه غايته المطلوبة، فكيف لا يختار الطريق الأول، وقد قال النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله:
«عليّ مع الحق والحق مع عليّ لا يفترقان»(2).
و«علي مع القرآن والقرآن مع عليّ»(3).
وقوله صلّى الله عليه وآله:
«من أطاع عليّاً فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله»(4).
وهل ينطق الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله نقيض ما يأمر به الله؟ فالباري يقول في محكم كتابه:
(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ)(5).
فعلى هذا الأساس الرصين، أوصى النبي صلّى الله عليه و آله اُمته بقوله:
اِني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا.(6)
فالقرآن والعترة متلازمان ولن ينفك أحدهما عن الآخر البتة، وكلام القرآن كلام العترة، وكلام العترة كلام القرآن، لذلك قال: «وإنهما لن يقترقا حتى يردا عليّ الحوض واِني سائلكم عنهما».
ولماذا خصّص الحوض موعداً للّقاء؟
لأن الواقف عليه والمتولّي لأمره والسّاقي منه هو علي بن أبي طالب عليه السّلام، إذ قال صلّى الله عليه وآله بلا خفاء وبلا غموض وبوضوح الرسالة:
«يا علي، أنت أخي ووزيري وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وأنت صاحب حوضي، ومن أحبّك أحبّني ومن أبغضك أبغضني».(7)
هذا، ناهيك بتشبيه النبي صلّى الله عليه وآله الأئمّة المعصومين عليهم السّلام بسفينة نوح عليه السّلام، لِلَفت الأذهان إلى النكات الخفيّة التي دارت عليها قصّة النبي نوح عليه السّلام، وتدعو الإنسان للتدبّر في الأسباب التي أدّت إلى افتراق ابنه عنه ليكون من الهالكين، ولم تغنه شفاعة أبيه النبي عند الله تعالى لانتشاله من الورطة التي أحاطت به، فحال بينهما الماء وكان من المغرقين، وعلى أثر ذلك جاء العتاب الإلهي:
(قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِح)(8).
وبناءً على هذه القاطعيّة، لم ينج أحد من الغرق إلاّ الذي سبق إلى ركوب السفينة، وخاب الآخرون إلى الهلاك، حتى ولو كان ابناً للنبيّ.
(1) الروضة في فضائل امير المؤمنين: 102، مناقب الخوارزمي: 62، شواهد التنزيل 1 / 76، تفسير الثعلبي 1 / 120.
(2) نقل هذا الحديث في المصادر السنية والشيعية منها: الخصال: 496، الأمالي للصّدوق: 150، كفاية الأثر: 200، الاحتجاج 1 / 97، بحار الأنوار 10 / 432، شرح الأخبار 2 / 60، الفصول المختاره: 97 و 135، مجمع الزوائد 7 / 235، تاريخ بغداد 14 / 322، تاريخ مدينة دمشق 42 / 449، ينابيع المودّة 1 / 173، المعيار والموازنة: 119، شرح ابن أبي الحديد 2 / 297.
(3) كذلك جاء هذا الحديث في المصادر المعتبرة للفريقين منها: امالي الشيخ الطوسي: 460، الطرائف: 103، الأربعون حديثاً: 73، الصراط المستقيم 3 / 163، بحار الأنوار 22 / 476، المستدرك على الصحيحين 2 / 124، مجمع الزوائد 9 / 134، المعجم الاوسط 5 / 135، المعجم الصغير 1 / 255، كنز العمال 11 / 603، فيض القدير 4 / 470، المناقب للخوارزمي: 177، الجامع الصغير 2 / 177، سبل الهدى والرشاد 11 / 297، ينابيع المودّة 1 / 124.
(4) راجع: معاني الأخبار: 373، بحار الأنوار 38 / 139، المستدرك على الصحيحين 3 / 121، كنز العمّال 11 / 614.
(5) سورة النساء، الآية: 80 .
(6) نقلت مصادر العامة والخاصة هذا الحديث بألفاظ مختلفة منها: بصائر الدرجات: 433، كمال الدين: 236 و 238، العمدة: 71، الطرائف: 114 و 116، كفاية الأثر: 137، وسائل الشيعة: 18 و 19، بحار الأنوار 36 / 331، فضائل الصحابة: 15، مسند أحمد بن حنبل 3 / 26، المستدرك على الصحيحين 3 / 109، مجمع الزوائد 9 / 163، مسند أبي يعلى 2 / 297، سبل الهدى والرشاد 11 / 6، السنن الكبرى 5 / 45، البداية والنهاية 5 / 228، ينابيع المودّة 1 / 105 و 115، كنز العمال 1 / 186.
(7) أمالي الصّدوق: 116، عيون أخبار الرضا 2 / 264، بحار الأنوار 39 / 211.
(8) سورة هود، الآية: 46.