وجه الحاجة إلى إقامة الحجة
وإذا كان الباري سبحانه وتعالى لايحتاج في محاسبة عباده إلى استدعاء شهود أو ذكر الدليل ليحتج عليهم، لإحاطته بالأُمور وقدرته على مؤاخذتهم بما قدّموا من أعمال، فما هي الحاجة إلى تقديم الحجة والبرهان وإحضار الشهود؟
وهل هناك أحد في عالم الوجود يمكنه الاعتراض على حكمه تعالى وهو الذي:
(لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ)(1).
وهل لأحد أن يطعن في عدله أو حكمه أو علمه، وهو الذي يحاسب عباده في يوم القيامة، وهو الحكم العدل وليس في حكمه جور أو ظلم؟
فما حاجته إلى الدليل والبرهان؟
هناك في الفقه الإسلامي بحث يدور حول كيفيّة الحكم بين متخاصمين ترافعا إلى الحاكم في ملكيّة شيء مثلاً، فهل للحاكم أن يبتّ في القضيّة ويحكم بينهما حسب علمه بأحقيّة أحدهما وبطلان ادّعاء الآخر، أم ينظر في النّزاع حسب الأدلّة والبراهين المقدّمة له؟
فهذا البحث قد استوعبته الكتب الفقهيّة، سواء فيما يخصّ الحقوق الإلهية أو فيما يخصّ حقوق الناس(2).
عن هشام بن الحكم عن الإمام الصّادق عليه السّلام نقلا عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنه قال:
«اِنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان».
ثم قال صلّى الله عليه وآله: «… وبعضكم ألحن بحجّته من بعض، فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنما قطعت له به قطعة من نار»(3).
فهو صلّى الله عليه وآله محيط بالأُمور، عالم بالخفايا، إلاّ أنه يقضي حسبما قامت عنده الحجّة الشرعيّة من البيّنات والأيمان.
(1) سورة الأنبياء، الآية: 23.
(2) راجع: كتاب القضاء والشهادات للمؤلف 1 / 141.
(3) الكافي 7 / 414، تهذيب الاحكام 6 / 229، وسائل الشيعة 27 / 232.