هداية النبيّ و هداية الإمام
ولا ريب أنّ الإيصال إلى المطلوب فوق إرائة الطريق، لكنّ الظاهر من الآيات الكريمة أنّ وظيفة الأنبياء هو الثاني، كقوله تعالى:
(إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ)(1).
وقوله:
(إِنْ أَنْتَ إِلاّ نَذيرٌ)(2).
ولا شك أنّ الأئمّة يشاركون الأنبياء في هذا المعنى.
ولكنّ مقتضى قوله لإبراهيم عليه السّلام:
(إِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمامًا)(3).
وقول أبي عبدالله الصّادق عليه السّلام: «الأنبياء والمرسلون على أربع طبقات… وقد كان إبراهيم عليه السّلام نبيّاً وليس بإمام، حتى قال الله (إِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمامًا)».
هو كون وظيفة إبراهيم عليه السّلام بعد الإمامة هو الإيصال إلى المطلوب.
ويستفاد من ذلك: أنّ الهداية بمعنى الإيصال إلى المطلوب هو شأن الأئمّة عليهم الصّلاة والسّلام.
والهداية على قسمين:
1 ـ الهداية التكوينيّة.
2 ـ الهداية التشريعيّة.
وإنّ الأئمّة عليهم السّلام هداة للخلائق تكويناً، فهم وسائط الفيض الإلهي وببركتهم الوجود كلّه. وهداة للبشر تشريعاً، بتزكيتهم وتعليمهم المعارف والأحكام وحفظهم من الانحراف والضّلال وإيصالهم إلى الكمال المطلوب… ومن أجل الهداية ـ بكلا المعنيين ـ نَصَبهم الله أئمةً وجعلهم هداة.
وقد عبَّر عنهم بالفعل المضارع «يهدون» للإشارة إلى استمرار هدايتهم ودوامها.
ولكنّ الآية عبّرت عن أئمّة الضلال بـ«الجعل» كذلك، فما الفرق؟
إنه يتّضح الفرق بأن نعلم أن الجعل قد يكون ابتدائيّاً وقد يكون غير ابتدائي، فأمّا الجعل المتعلّق بأئمة الهدى، فهو جعل ابتدائي من الله سبحانه، لما ذكرنا من أنه مقتضى قاعدة اللّطف، وأمّا الجعل المتعلّق بأئمة الضّلال فليس بابتدائي، فلنذكر الآية ونتأمّل فيها، قال تعالى:
(فَلَمّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّنات قالُوا ما هذا إِلاّ سِحْرٌ مُفْتَرًى وَما سَمِعْنا بِهذا في آبائِنَا الاَْوَّلينَ * وَقالَ مُوسى رَبّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ * وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلاَُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِله غَيْري فَأَوْقِدْ لي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لي صَرْحًا لَعَلّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنّي لاََظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبينَ * وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الاَْرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظّالِمينَ * وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْناهُمْ في هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحينَ)(4).
إن الدّعوة إلى النّار هي الدّعوة إلى ما يستوجب النار من الكفر والمعاصي، لكونها هي التي تتصوّر لهم يوم القيامة ناراً يعذّبون فيها، أو المراد بالنّار ما يستوجبها مجازاً من باب إطلاق المسبّب وإرادة سببه.
ومعنى جعلهم أئمّة يدعون إلى النار، تصييرهم سابقين في الضّلال يقتدي بهم اللاّحقون، ولا ضير فيه، لكونه بعنوان المجازاة على سبقهم في الكفر والجحود، وليس من الإضلال الإبتدائي في شيء(5).
(1) سورة الشورى، الآية: 48.
(2) سورة فاطر، الآية: 23.
(3) سورة البقرة، الآية: 124.
(4) سورة القصص، الآية: 36 ـ 42.
(5) الميزان في تفسير القرآن 16 / 37.