نزولها في ليلة القدر
ثم إن ظاهر «مختلف الملائكة» هو الاستمرار، كما هو ظاهر قوله تعالى:
(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر)(1).
ولذا ورد بذيل الآية المباركة نزول الملائكة في ليالي القدر على الإمام عليه السّلام في كلّ زمان:
عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال الله عزّ وجلّ في ليلة القدر (فيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْر حَكيم)(2) يقول: ينزل فيها كلّ أمر حكيم، والمحكم ليس بشيئين، إنّما هو شيء واحد، فمن حكم بما ليس فيه اختلاف، فحكمه من حكم الله عزَّوجلَّ، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى أنّه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت. إنّه لينزل في ليلة القدر إلى وليّ الأمر تفسير الأُمور سنة سنة، يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا، وفي أمر الناس بكذا وكذا، وإنّه ليحدث لوليّ الأمر سوى ذلك كلّ يوم علم الله عزّ وجلّ الخاصُّ والمكنون العجيب المخزون، مثل ما ينزل في تلك اللّيلة من الأمر، ثمّ قرأ: (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الاَْرْضِ مِنْ شَجَرَة أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُر ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ)(3).
وعن أبي عبدالله عليه السّلام قال: كان عليّ بن الحسين صلوات الله عليه يقول: (إِنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(4) صدق الله عزّ وجلّ، أنزل الله القرآن في ليلة القدر «وما أدراك ما ليلة القدر» قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لا أدري، قال الله عزّ وجلّ (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر)(5) ليس فيها ليلة القدر، قال لرسول الله صلّى الله عليه وآله: وهل تدري لم هي خير من ألف شهر؟ قال: لا، لأنّها تنزّل فيها الملائكة والروح بإذن ربّهم من كلّ أمر، وإذا أذن الله عزّ وجلّ بشيء فقد رضيه (سَلامٌ هِيَ حَتّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)(6) يقول: تسلّم عليك ـ يا محمّد ـ ملائكتي وروحي بسلامي من أوّل ما يهبطون إلى مطلع الفجر.
ثمّ قال في بعض كتابه: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصيبَنَّ الَّذينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)(7)في (إِنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وقال في بعض كتابه: (وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرينَ)(8) يقول في الآية الاُولى: إنّ محمّداً حين يموت; يقول أهل الخلاف لأمر الله عزّ وجلّ: مضت ليلة القدر مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، فهذه فتنة أصابتهم خاصّة، وبها ارتدّوا على أعقابهم، لأنّهم إن قالوا: لم تذهب، فلابدّ أن يكون لله عزّ وجلّ فيها أمر، وإذا أقرّوا بالأمر لم يكن له من صاحب بدٌّ.
وعن أبي جعفر عليه السّلام قال: يا معشر الشيعة خاصموا بسورة إنّا أنزلناه تفلجوا، فوالله إنّها لحجّة الله تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وإنّها لسيّدة دينكم، وإنّها لغاية علمنا.
يا معشر الشيعة، خاصموا بـ(حم * وَالْكِتابِ الْمُبينِ * إِنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَة مُبارَكَة إِنّا كُنّا مُنْذِرينَ)(9) فإنّها لولاة الأمر خاصّة بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله.
يا معشر الشيعة، يقول الله تبارك وتعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّة إِلاّ خَلا فيها نَذيرٌ)(10)قيل: يا أبا جعفر، نذيرها محمّد صلّى الله عليه وآله؟ قال: صدقت، فهل كان نذير وهو حيٌّ من البعثة في أقطار الأرض؟ فقال السائل: لا، قال أبو جعفر عليه السّلام: أرأيت بعيثه أليس نذيره، كما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله في بعثته من الله عزّ وجلّ نذير؟ فقال: بلى، قال: فكذلك لم يمت محمّد إلاّ وله بعيث نذير. قال: فإن قلت: لا، فقد ضيّع رسول الله صلّى الله عليه وآله من في أصلاب الرجال من اُمّته، قال: وما يكفيهم القرآن؟ قال: بلى إن وجدوا له مفسّراً. قال: وما فسّره رسول الله صلّى الله عليه وآله؟ قال: بلى، قد فسّره لرجل واحد، وفسّر للاُمّة شأن ذلك الرجل، وهو عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.
قال السائل: يا أبا جعفر، كان هذا أمر خاصُّ لا يحتمله العامّة؟ قال: أبى الله أن يُعبد إلاّ سرّاً حتّى يأتي إبّان أجله الّذي يظهر فيه دينه، كما أنّه كان رسول الله مع خديجة مستتراً حتّى اُمر بالإعلان، قال السائل: ينبغي لصاحب هذا الدين أن يكتم؟ قال: أو ما كتم عليُّ بن أبي طالب عليه السّلام يوم أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى ظهر أمره؟ قال: بلى، قال: فكذلك أمرنا حتّى يبلغ الكتاب أجله(11).
(1) سورة القدر، الآية: 5.
(2) سورة الدخان، الآية: 4.
(3) الكافي 1 / 192.
(4) سورة القدر، الآية: 2.
(5) سورة القدر، الآية: 4.
(6) سورة القدر، الآية: 5.
(7) سورة الأنفال، الآية: 25.
(8) سورة آل عمران، الآية: 144.
(9) سورة الدخان، الآية: 1 ـ 3.
(10) سورة فاطر، الآية: 24.
(11) الكافي 1 / 242.