نبوّة نبيّنا أوّل النبوّات
ومن المناسب ـ بعد الوجوه الثلاثة ـ ذكر بعض النصوص(1) في تقدّم نبوّة نبيّنا صلّى الله عليه وآله على نبوّة جميع الأنبياء، وكون أمير المؤمنين معه، توضيحاً وتأييداً لها:
أخرج الترمذي بإسناده قالوا: يا رسول الله!، متى وجبت لك النبوة؟
قال: وآدم بين الروح والجسد(2).
وعقد الحافظ أبو نعيم في دلائله باباً بعنوان «ذكر ما روي في تقدّم نبوته قبل تمام خلقة آدم»، فأورد فيه أحاديث كثيرة في هذا المعنى(3).
وفي كتاب الخصائص للحافظ السيوطي «باب خصوصيّة النبي بكونه أوّل النّبيين في الخلق وتقدّم نبوته»، فأورد فيه الأحاديث في أنّ الله أخذ العهد والميثاق من جميع الأنبياء وغيرهم على نبوّة رسول الله صلّى الله عليه وآله(4).
ونحن نذكر بعض النصوص من الكتب المعتبرة من السنّة:
قال أبو نعيم: «ومن فضائله صلّى الله عليه وسلّم: أخذ الله الميثاق على جميع أنبيائه إنْ جاءهم رسول آمنوا به ونصروه، فلم يكن ليدرك أحد منهم الرسول إلاّ وجب عليه الإيمان به والنصرة، لأخذه الميثاق منهم، فجعلهم كلّهم أتباعاً يلزمهم الانقياد والطاعة لو أدركوه.
وذلك ممّا حدّثناه محمّد بن أحمد بن الحسن… عن جابر عن عمر بن الخطاب قال: أتيت النبي ومعي كتاب أصبته من بعض أهل الكتاب، فقال: والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيّاً اليوم ما وسعه إلاّ أن يتبعني»(5).
وقال القاضي عياض: «السّابع، في ما أخبر الله به في كتابه العزيز من عظيم قدره وشريف منزلته على الأنبياء وخطورة رتبته، قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ ميثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتاب وَحِكْمَة) إلى قوله: (مِنَ الشّاهِدينَ)(6).
قال أبو الحسن القابسي: إختص الله نبيّنا محمّداً بفضل لم يؤته أحداً غيره أبانه به، وهو ما ذكره في هذه الآية. قال المفسّرون: أخذ الله الميثاق بالوحي ولم يبعث نبيّاً إلاّ ذكر له محمّداً ونعته، وأخذ على ذلك الميثاق منه إنْ أدركه ليؤمننّ به.
وقيل: أن يبيّنه لقومه ويأخذ ميثاقهم أن يبيّنوه لمن بعدهم… .
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لم يبعث الله نبيّاً من آدم فمن بعده إلاّ أخذ عليه العهد في محمّد عليه الصّلاة والسّلام لئن بعث وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه، ويأخذ العهد بذلك على قومه.
ونحوه عن السدّي وقتادة في آي تضمّنت فضله من غير وجه واحد. قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ ميثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوح)(7) الآية، وقال: (إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوح) إلى قوله (وَكيلاً)(8).
وروى عن عمر بن الخطاب في كلام بكى به النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال:
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عند الله أن بعثك آخر الأنبياء وذكرك في أوّلهم فقال: (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ ميثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوح…)الآية.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودّون أن يكونوا أطاعوك وهم بين أطباقها يعذّبون يقولون: (يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاَ)(9).
قال قتادة: إن النبي قال: كنت أوّل الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث، فلذلك وقع ذكره مقدّماً هنا قبل نوح وغيره.
قال السّمرقندي: في هذا تفضيل نبينا عليه السّلام، لتخصيصه بالذكر قبلهم وهو آخرهم.
قال بعضهم: ومن فضله أن الله تعالى خاطب الأنبياء بأسمائهم، وخاطبه بالنبوة والرسالة في كتابه، فقال يا أيها النبي، ويا أيها الرسول.
وحكى السّمرقندي عن الكلبي ـ في قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْ شيعَتِهِ لاَِبْراهيمَ)(10) إن الهاء عائدة على محمّد، أي من شيعة محمّد لإبراهيم، أي: على دينه ومنهاجه، واختاره الفرّاء وحكاه عنه مكي. وقيل: المراد نوح عليه الصّلاة والسّلام»(11).
وللقسطلاني في المقصد السّادس من كتابه بحث طويل خصّه بالموضوع هذا أوّله:
«النوع الثاني في أخذ الله تعالى له الميثاق على النبيين فضلاً ومنّة ليؤمننّ به إن أدركوه ولينصرنّه» ثم نقل فيه الآيات والأحاديث(12).
وقال القسطلاني ما ملخّصه:
«روي عن علي بن أبي طالب أنه قال: لم يبعث الله تعالى نبيّاً من آدم فمن بعده إلاّ أخذ عليه العهد في محمّد، لئن بعث وهو حيّ ليؤمنّن به ولينصرنّه ويأخذ العهد بذلك على قومه. وهو مروي عن ابن عباس أيضاً. ذكرهما العماد ابن كثير في تفسيره.
قال الشيخ تقي الدين السبكي: فإذا عرف هذا، فالنبي نبي الأنبياء، وبهذا ظهر في الآخرة أن جميع الأنبياء تحت لوائه، وفي الدنيا كذلك ليلة المعراج صلّى بهم، ولو اتفق مجيؤه في زمن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وجب عليهم وعلى أممهم الإيمان به ونصرته، وبذلك أخذ الميثاق عليهم»(13).
وبمثل هذا قال ابن حجر المكّي والشيخ سليمان في شرحيهما على الهمزيّة بشرح قول البوصيري:
«ما مضت فترة من الرسل إلاّ *** بشّرت قومها بك الأنبياء»
إنّ هذه الحقيقة ثابتة في كتب العامّة، يروونها بأسانيدهم عن الصّحابة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، والإماميّة يروونها بأسانيدهم عن الأئمّة الأطهار عليهم السّلام كذلك.
(1) هذه النصوص متفق عليها بين الفريقين، ولكنّا إنما نكتفي ببعض ما جاء من العامّة خاصّةً لأُمور منها:
1 ـ لإلزام الخصوم بها حتى لا يتّهمونا بالغلوّ في أمير المؤمنين.
2 ـ لرفع شبهة الاستبعاد لدى بعض الشيعة القاصرين، وتقوية إيمان المؤمنين.
(2) سنن الترمذي 5 / 245.
(3) دلائل النبوّة 1 / 44.
(4) الخصائص الكبرى 1 / 7.
(5) دلائل النبوّة 1 / 50.
(6) سورة آل عمران، الآية: 81 .
(7) سورة الأحزاب، الآية: 7.
(8) سورة النساء، الآية: 163.
(9) سورة الأحزاب، الآية: 66.
(10) سورة الصّافّات، الآية: 83 .
(11) الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 35 ـ 38.
(12) المواهب اللدنية بالمنح المحمّدية 2 / 51.
(13) الخصائص الكبرى 1 / 8 .