نبوّة الأنبياء السّابقين ببركة أهل البيت
إن الأئمّة عليهم السّلام كانوا أهل بيت النبوّة منذ القدم، وأنّ وجود الأنبياء كان ببركتهم، ونبوّاتهم كانت قائمةً بوجود أهل بيت رسول الإسلام، كما سندلّل على ذلك في مواضعه المناسبة في هذا الكتاب.
لقد جاء في الحديث عند الفريقين: أنّ الله عزّ وجلّ خاطب آدم عليه السّلام مشيراً إلى أهل البيت وهم في عالم الأشباح:
«… هؤلاء خمسة من ولدك، لولاهم لما خلقتك، ولا خلقت الجنّة ولا النار، ولا العرش ولا الكرسيّ، ولا السّماء ولا الأرض، ولا الملائكة ولا الجنّ ولا الإنس… فإذا كان لك إليّ حاجة فبهؤلاء توسل…»(1).
دلّ هذا الحديث على أنّ أصل وجود الأنبياء ونبوّتهم ببركة أهل البيت، وأنه لولاهم لما كانوا ولما كانت النبوّات، والأخبار في هذا المعنى عند الفريقين كثيرة.
وجاء بتفسير قوله تعالى:
(فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمات فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ)(2).
طرفٌ من الأخبار، فليراجعها من شاء.
وقال الشيخ البوصيري في قصيدة البردة الشهيرة التي أنشأها بمدح رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد أنْ توسّل به فبرء من مرضه:
وكلّ آي أتى الرسل الكرام بها *** فإنّما اتصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضل هم كواكبها *** يظهرن أنوارها للناس في الظّلم
لقد باح هذا العالم الفقيه المحدّث الشافعي بهذه الحقيقة، وتبعه على ذلك شرّاح قصيدته من الفريقين، وصرّحوا بما دلّت عليه النصوص المعتبرة من أنّ الأنبياء السّابقين كانوا مظاهر النور المحمّدي، وأنّ نبيّنا صلّى الله عليه وآله كان قد سبقهم في الوجود.
ومن جملة تلك النصوص هي الأحاديث المتّفق عليها في أنّ النبيّ وعليّاً مخلوقان معاً من نور واحد، وأنه لازم رسول الله في كلّ العوالم السابقة، وهذا المعنى ثابت لولده الأئمّة الهداة الذين اصطفاهم الله لخلافة نبيّه الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم بالأدلّة المعتبرة.
بل إنّ الأنبياء المتقدّمين قد اُمروا بدعوة الاُمم إلى الإيمان بنبوة نبيّنا وولاية أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسّلام، وذلك ما روي في كتب الفريقين بتفسير قوله تعالى:
(وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا)(3).
أخرج الحاكم، قال: «حدّثنا أبو الحسين محمّد بن المظفّر الحافظ، قال: حدّثنا عبدالله بن محمّد بن غزوان، قال: ثنا علي بن جابر، قال: ثنا محمّد بن خالد بن عبدالله، قال: ثنا محمّد بن فضيل، قال: ثنا محمّد بن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبدالله، قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا عبدالله! أتاني ملك فقال: يا محمّد! (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) على ما بعثوا؟ قال: قلت: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب.
قال الحاكم: تفرّد به علي بن جابر، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن فضيل، ولم أكتبه إلاّ عن ابن المظفّر، وهو عندنا حافظ ثقة مأمون»(4).
فالآية باقية على ظاهرها، والنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قد سأل، وكان الجواب: بعث الأنبياء على ولايته وولاية عليٍّ، عليهما وعلى آلهما الصّلاة والسّلام.
ورواه الثعلبي، قال: «أخبرنا الحسين بن محمّد الدينوري، حدّثنا أبو الفتح محمّد بن الحسين بن محمّد بن الحسين الأزدي الموصلي، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن غزوان البغدادي، حدّثنا علي بن جابر، حدّثنا محمّد بن خالد بن عبدالله ومحمّد بن إسماعيل، قالا: حدّثنا محمّد بن فضيل، عن محمّد بن سوقة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله بن مسعود، قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أتاني ملك فقال: يا محمّد!…»(5).
ورواه ابن عساكر، قال: «أخبرنا أبو سعد بن أبي صالح الكرماني وأبو الحسن مكّي بن أبي طالب الهمداني، قالا: أنبأنا أبو بكر ابن خلف، أنبأنا الحاكم أبو عبدالله الحافظ، حدّثني محمّد بن مظفّر الحافظ…» إلى آخر ما تقدّم عن الحاكم(6).
ورواه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني، كما في تنزيه الشريعة عن الحافظ ابن حجر، وفي غير واحد من كتب أصحابنا، أنّه روى بإسناده في هذه الآية، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ليلة أُسري به، جمع الله تعالى بينه وبين الأنبياء، ثمّ قال: سلهم يا محمّد! على ماذا بُعثتم؟ فقالوا: بُعثنا على شهادة أنْ لا إله إلاّ الله، وعلى الإقرار بنبوّتك والولاية لعليّ بن أبي طالب(7).
ورواه الحاكم الحسكاني، قال: «حدّثنا الحاكم أبو عبدالله الحافظ، قال: حدّثني محمّد بن المظفّر…» إلى آخر ما تقدّم… .
قال: «وأخبرنا أبو عثمان الحيري من أصله العتيق، قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن المظفّر… سواءً لفظاً، ولم يذكر علقمة في الإسناد».
«حدّثني أبو الحسن الفارسي، حدّثنا عمر بن أحمد، حدّثنا علي بن الحسين ابن سفيان الكوفي، حدّثنا جعفر بن محمّد أبو عبدالله الحسيني، حدّثنا علي بن إبراهيم العطّار، حدّثنا عبّاد، عن محمّد بن فضيل، عن محمّد بن سوقة».
قال: «وحدّثنا أبو سهل سعيد بن محمّد، حدّثنا علي بن أحمد الكرماني، حدّثنا أحمد بن عثمان الحافظ، حدّثنا عبيد بن كثير، حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسي، حدّثنا ابن فضيل، عن محمّد بن سوقة، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن ابن مسعود، قال: قال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
لمّا أُسري بي إلى السّماء إذا ملك قد أتاني فقال لي: يا محمّد! سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا. قلت: معاشر الرسل والنبيّين! على ما بعثكم الله؟ قالوا: على ولايتك يا محمّد وولاية عليّ بن أبي طالب.
ورواه غير علي، عن محمّد بن خالد الواسطي، وتابعه محمّد بن إسماعيل… .
أخبرنيه الحاكم أبو عبدالله، حدّثني أبو سعيد أحمد بن محمّد بن رحيم النسوي، حدّثنا أبو محمّد الحسين بن عثمان الأهوازي، حدّثنا محمّد بن خالد بن عبدالله الواسطي، حدّثنا محمّد بن فضيل، حدّثنا محمّد بن سوقة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبدالله، قال: قال لي النبيّ… به لفظاً سواءً»(8).
ورواه الموفّق بن أحمد المكّي، قال: «وأخبرني شهردار ـ إجازةً ـ ، أخبرني أحمد بن خلف ـ إجازةً ـ ، حدّثني محمّد بن المظفّر الحافظ، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن غزوان، حدّثنا علي بن جابر…» إلى آخر ما تقدّم سواء(9).
ورواه الحمويني، عن شهردار بن شيرويه الحافظ، عن أحمد بن خلف، عن الحاكم، عن ابن المظفّر الحافظ… كما تقدّم سواء(10).
ورواه أبو عبدالله الكنجي، قال: «قرأت على الحافظ أبي عبدالله ابن النجّار، قلت له: قرأت على المفتي أبي بكر بن عبدالله بن عمر الصفّار، قال: أخبرتنا الحرّة عائشة بنت أحمد الصفّار، أخبرنا أحمد بن علي الشيرازي، أخبرنا الإمام الحافظ أبو عبدالله النيسابوري، حدّثني محمّد بن المظفّر الحافظ…» إلى آخر ما تقدّم سواء(11).
إنا لا نطلق هذه الدعوى جزافاً، وإنما رأينا أنّ الكتاب والسنّة المتفق عليها ناطقان بهذه الحقيقة، بحيث أنّ أيّ منصف يتأمّل في هذا الموضوع لا يتردّد في قبوله والقول به وقد أكثرنا من نقل الحديث ومن طرق الجمهور لأهميّة الموضوع، كما لا يخفى.
وبالجملة، فإن أهل البيت كانوا أهل بيت النبوة منذ البداية.
(1) فرائد السمطين 1 / 36، بحار الأنوار 27 / 5.
(2) سورة البقرة، الآية: 37.
(3) سورة الزخرف، الآية: 45.
(4) معرفة علوم الحديث: 96.
(5) تفسير الثعلبي 1 / 2040.
(6) تاريخ دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين ـ 2 / 97.
(7) الطرائف في معرفة الطوائف 1 / 101، البرهان في تفسير القرآن 4 / 148، غاية المرام: 249، خصائص الوحي المبين: 153.
(8) شواهد التنزيل 2 / 222 ـ 225.
(9) مناقب عليّ بن أبي طالب: 220. والظاهر سقوط «الحاكم» بين أبي خلف وابن المظفّر.
(10) فرائد السمطين 1 / 81 .
(11) كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب: 75.