من كلمات أعلام الطّائفة
ثم إنه من المناسب إيراد نصوص عبارات بعض أكابر علمائنا في هذا الموضوع:
الشهيد الثاني
قال الشهيد الثاني رحمه الله في كتاب المسالك:
تحديد حدّ الشرب بثمانين متّفق عليه بين الأصحاب، ومستندهم الأخبار وسيأتي بعضها.
وروى العامة والخاصّة أن النبي صلّى الله عليه وآله كان يضرب الشارب بالأيدي والنعال ولم يقدّروه بعدد، فلمّا كان في زمن عمر استشار أمير المؤمنين في حدّه، فأشار عليه بأنْ يضربه ثمانين.
وعلّله بأنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى.
فجلده عمر ثمانين، وعمل به أكثر العامّة(1).
الوحيد البهبهاني
ويورد المرحوم الوحيد البهبهاني في كتابه الرجالي عدّة معان للتفويض، من ذلك قوله:
«الرابع: تفويض الأحكام والأفعال بأن يثبت ما رآه حسناً ويراه قبيحاً فيجيز الله إثباته وردّه، مثل إطعام الجدّ السدس، وإضافة الركعتين في الرباعيات والواحدة في المغرب، وفي النوافل أربعاً وثلاثين سُنّةً، وتحريم كلّ مسكر عند تحريم الخمر. إلى غير ذلك»(2).
فالرّسول أو الإمام يستطيع إقرار حكم يراه صالحاً وينفي آخر لا يرى فيه صلاحاً، فيؤيّد الله حكمه ويقرّه.
وفي حاشيته على كتاب مجمع الفائدة والبرهان للمقدّس الأردبيلي رحمه الله يقول المحقق البهبهاني:
«وقد حقّقنا في تعليقتنا على رجال الميرزا ضعف تضعيفات القميين، فإنهم كانوا يعتقدون ـ بسبب اجتهادهم ـ اعتقادات من تعدّى عنها نسبوه إلى الغلو، مثل نفي السّهو عن النبي صلّى الله عليه وآله، أو إلى التفويض مثل تفويض بعض الأحكام إليه»(3).
وهو رحمه الله يورد هذا الكلام ردّاً على ادّعاءات بعض المحدّثين القميين الذين كانوا يضعّفون الأحاديث أو الرواة القائلين بالتفويض.
الشيخ البحراني
وأما الشيخ البحراني صاحب الحدائق الناضرة، وهو فقيه عالم ومحدّث كبير، فيقول في بحث منزوحات البئر ما نصّه:
«احتمل بعض محققي المحدّثين من المتأخرين كون هذا الاختلاف من باب تفويض الخصوصيات لهم عليهم السّلام، لتضمّن كثير من الأخبار أن خصوصيّات كثير من الأحكام مفوّضة إليهم عليهم السّلام، كما كانت مفوضة إليه صلّى الله عليه وآله»(4).
السيد عبد الله شبّر
ومما قاله في هذا الصّدد الفقيه والمحدّث السيد عبدالله شبّر في كتاب مصابيح الأنوار:
«والأخبار بهذه المضمون كثيرة، رواها المحدّثون في كتبهم، كالكليني في الكافي والصفّار في البصائر وغيرهما: أنّ الله سبحانه فوّض أحكام الشريعة إلى نبيّه بعد أن أيّده واجتباه وسدّده وأكمل له محامده وأبلغه إلى غاية الكمال»(5).
الشيخ محمّد حسن النجفي
وهو مصنف كتاب جواهر الكلام، وله شأن عظيم، فيقول:
«بل في المسالك: روى العامّة والخاصّة أن النبيّ صلّى الله عليه وآله كان يضرب الشارب بالأيدي والنّعال، ولم يقدّره بعدد، فلما كان في زمن عمر استشار أمير المؤمنين عليه السّلام في حدّه فأشار بأن يضربه ثمانين، معلّلاً له… وكأن التقدير المزبور عن أمير المؤمنين عليه السّلام من التفويض الجائز لهم»(6).
المجلسيّان
وفي هذا الخصوص، قال المجلسي الأوّل رحمه الله:
«كما يظهر من الأخبار الكثيرة الواردة في التفويض إلى النبي والأئمّة عليهم السّلام»(7).
أما المجلسي الثاني فيقول:
«وألزم على جميع الأشياء طاعتهم حتى الجمادات من السماويات والأرضيات كشقّ القمر وإقبال الشجر وتسبيح الحصى وأمثالها ممّا لا يحصى، وفوّض أُمورها إليهم من التحليل والتحريم والعطاء والمنع»(8).
السيّد الگلپايگاني
وكذا قال سيدنا الأستاذ المرحوم السيّد الگلپايگاني رحمه الله، في بحثه في كتاب الحدود، في باب حدّ شارب الخمر، فإنّه أورد الخبر ونقل كلام الشهيد الثاني وصاحب الجواهر ووافقهما على ما قالاه.
وتلخّص:
إنّ هذا وجه آخر لمعنى «المظهرين لأمر الله ونهيه».
هذا كلّه بناءً على أن يكون المراد من «أمر الله ونهيه» هو: الأحكام الشرعيّة.
ويجوز أن يكون المراد من «الأمر» هو الأعم من «التكوين» و«التشريع» فيكون دالاًّ على الولايتين: التكوينية والتفويض.
وعلى كلّ حال، فإنه ليس المقصود استقلال الأئمّة بالتصرّف أو كونهم شركاء لله، فإن هذا كفرٌ، بل المقصود أنّ الأئمّة عليهم السّلام قد وصلوا ببركة طاعتهم وعبوديّتهم لله إلى هذه المنازل الجليلة، وهذا ممّا يقع بين الآباء والأولاد والموالي والعبيد كذلك، وقد يبلغ الخادم لدى سيّده ـ على أثر خدمته له وحسن تصرّفه في إنجاز أعماله ودرايته للأُمور ـ مرحلةً من القرب حتى يكون أمينه على أسراره ويسلّمه مقاليد أُموره، ويأذن له بالتصرّف في أمواله، من غير أن يراجعه في ذلك، ثقةً به واعتماداً عليه… .
وقد قرأنا في الروايات: أن الله تعالى قد «أدّب» نبيّه حتّى قوّمه على ما أراد «ثمّ» فوّض إليه أمر دينه… .
وكذلك الأئمّة المعصومون من أهل بيته… .
وهذا ما تؤكّده الرّوايات، وعبارات الزيارة الجامعة، ومنها العبارة التالية:
(1) مسالك الإفهام في شرح شرائع الإسلام 14 / 462 ـ 463.
(2) الفوائد الرجاليّة: 39 ـ 40، التعليقة على منج المقال: 22.
(3) الحاشية على مجمع الفائدة والبرهان: 700.
(4) الحدائق الناضرة 1 / 365.
(5) مصابيح الأنوار 1 / 369.
(6) جواهر الكلام 41 / 457.
(7) روضة المتقين 5 / 480.
(8) بحار الأنوار 25 / 342 ـ 343.