المـدخـل
* الزيارة لغةً وعرفاً
* الأئمّة أحياء
* زيارة النبي والأئمّة زيارة الله
* شبهة واهية
* ما هو الغرض من الزيارة؟
* لماذا التأكيد على الزيارات؟
* معرفة الأئمّة روائيّاً
* مقام الصالحين
* من آداب الزيارة
* أبرز الزيارات المأثورة
* متن الزيارة الجامعة.
معنى الزيارة لغةً و عرفاً
الظاهر أن «الزيارة» مصدر «الزوْر» بمعنى الميل والرغبة إلى طرف والعدول عن غيره، فقد ذكر ابن فارس في كتابه (معجم مقاييس اللغة) ما نصّه:
«الزاء والواو والراء، أصل واحد يدل على الميل والعدول»(1).
ومن هنا جاءت كلمة «الزائر»، لأنّ من زار أحداً فقد مال إليه وعدل عن غيره. فإنّ من يقصد زيارة الإمام عليّ بن موسى الرضا ـ عليه السّلام ـ فهو في الواقع بمجرد قصده وخاصّةً في حين تشرّفه بالحضور في حرمه الشريف، قد مال إلى الإمام وعدل عمّن سواه وأعرض.
«وفي الدعاء: اللهم اجعلني من زوّارك»(2).
توضيحه: إنه لما كان الله تعالى ليس بجسم، ولا يحويه مكان أو جهة خاصّة، فإن معنى هذا الدعاء هو: اللهم اجعلني ممّن يميل ويرغب بالتوجه إليك فقط.
وعندما يصبح العبد كذلك، يكون قد أعرض وعدل عمّا سوى الله تعالى، ومن اللاّجئين إلى ساحة قدسه العظيمة والطالبين عونه دون غيره.
ويضيف الشيخ الطريحي صاحب (مجمع البحرين) بعد ذلك وحسبما جاء في المأثور:
«من فعل كذا فقد زار الله في عرشه»(3).
فما معنى «زار الله في عرشه»؟
لعلّه: أن من فعل ذاك الفعل المعيَّن، يكون قد وُفّق لأن يقصد الله ويتوجّه إليه ويعرض عن غيره، فيختصّه الله جلّ وعلا لنفسه، ويجعل رغبته وميله إليه دائماً ويحول بينه وبين الميل إلى من سواه.
وفي بعض الكلمات: أن الزيارة حضور الزائر عند المزور.
والحضور عند المزور تارة يكون بالقلب واخرى بالجسم وثالثة بالقلب والجسم، ومن الواضح أنّ الحضور بالقلب والجسم مَعاً هو الحضور المفيد المؤثّر وبه تتحقق الزيارة الواقعيّة، بل المهمّ في تحقّقها ـ بمعنى التوجّه والميل والرغبة والعدول عن الغير ـ هو الحضور القلبي، وإنْ صدق عند العرف العام عنوان الزيارة على مجرّد الحضور بالبدن، سواء كان هناك توجّه بالقلب أوْلا، لا سيّما في زيارة سائر الناس.
وممّا يؤكّد ما ذكرناه، الروايات الواردة بزيارة الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله والأئمّة الأطهار من بُعد، فلولا كون الملاك هو الحضور القلبي بالتوجّه التام والعدول والإعراض عن غير المزور عليه السّلام، لما صَدَق عنوان الزيارة على ما يقوله في خطاب المزور عن بعد، ولما ترتّبت الآثار المطلوبة من الأجر والحالات المعنويّة على تلك الزيارة، التي لا تحصل في كثير من الأحيان لكثير من الأشخاص الذين يحضرون عند المزور بالأبدان.
وعلى الجملة، فإن المقصود من «الحضور» أوّلاً وبالذات هو الحضور القلبي عند المزور عليه السّلام، وكأنّ الحضور البدني مقدّمة محصّلة لذلك، وإنْ كان للحضور البدني الصِّرف أثرٌ بقدره بفضل الله ورحمته وكرمه.
كما أنّ هذا التوجّه والحضور القلبي سيكون مقدّمةً لحصول الارتباط المعنوي بالله وأوليائه والقرب منهم، بحيث إذا استمرّت حركته وتقدّم في مراتب القرب، أصبح ولا ميل له إلاّ إلى الله سبحانه، ولا توجّه عنده إلاّ لساحته المقدّسة، فيكون معرضاً عن كلّ ما سِواه وتنقطع علقته عن كلّ شيء غيره، حتى يكون خالصاً في الله ليبلغ درجة «المخلصين»، وهذا هو المقام الذي يسعى له الموحّدون والهدف الذي ينشدون.
(1) معجم مقاييس اللغة 3 / 36.
(2) مجمع البحرين 3 / 320.
(3) مجمع البحرين 3 / 320.