مشاركة أهل البيت في رسالة النبي الأكرم
لا شك في أن أهل بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله، أعني أمير المؤمنين عليّاً والصدّيقة الطاهرة الزهراء والأئمّة عليهم السّلام، من اُمة النّبي. ولا يوجد نبيٌّ في هذا البيت غير رسول الله صلّى الله عليه وآله. ولا ندّعي نبوة لأمير المؤمنين ولا لأحد من الأئمّة عليهم السّلام، لأن هذه الدعوى غلوّ وكفر.
إلاّ أننا لا نغالي إذا قلنا: إن الأئمّة عليهم السّلام كانوا مشاركين للنبيّ الأكرم في نبوّته ورسالته ودعوته صلّى الله عليه وآله وإستمراريتها، فنقول:
لقد كان علي مع رسول الله صلّى الله عليهما وآلهما في جميع العوالم وفي كلّ الأحوال، وقد ذكر في خطبة له كونه معه في غار حراء، وأنه كان يسمع ما يسمع ويرى ما يرى، قال عليه السّلام:
«أنا وضعت في الصغر بكلاكل العرب، وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضرّ، وقد علمتم موضعي من رسول الله صلّى الله عليه وآله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني إلى فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عرفه، وكان يمضعُ الشّيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبةً في قول، ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به صلّى الله عليه وآله من لدن أن كان فطيماً، أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره. ولقد كنت أتّبعه أتّباع الفصيل أثر أُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله، صلّى الله عليه وآله، وخديجة، وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النّبوّة.
ولقد سمعت رنّة الشيطان، حين نزل الوحي عليه صلّى الله عليه وآله، فقلت: «يا رسول الله ما هذه الرّنّة؟» فقال: هذا الشّيطان قد أيس من عبادته، إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلاّ أنّك لست بنبيّ، ولكنّك وزير، وإنك لعلى خير»(1).
ثم كان مع رسول الله في جميع المراحل، حتى صحّ أنْ يقال بأنّه شريكه في الرسالة وأنهما معاً صاحبا الرسالة الإسلاميّة، وتلك هي دعوة رسول الله صلّى الله عليه وآله، كما في رواية الفريقين:
«أللّهم إنّ موسى بن عمران سألك وقال:
(وَاجْعَلْ لي وَزيرًا مِنْ أَهْلي * هارُونَ أَخي * اشْدُدْ بِهِ أَزْري * وَأَشْرِكْهُ في أَمْري)(2).
وأنا محمّد نبيّك، أسألك أنْ تشرح لي صدري… واجعل لي وزيراً من أهلي علي بن أبي طالب أخي، أشدد به أزري وأشركه في أمري(3).
لقد اُوتي موسى ما سأل، قال تعالى:
(قَدْ أُوتيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى)(4).
وكذلك اُوتي رسول الله ما سأل، ولذا قال في الحديث المتواتر:
«علي مني بمنزلة هارون من موسى»(5).
ومن الشواهد: قضيّة المباهلة:
فإنّه لمّا قرّر رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يباهل نصارى نجران عملاً بقوله تعالى:
(فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَى الْكاذِبينَ)(6).
فيبتهل الطرفان إلى الله بأنْ ينصر الصّادق المحق وينزل لعنته على الكاذب منهما. خرج بعليّ وفاطمة والحسنين… فكان لأهل بيته الدّور المهمّ في تثبيت نبوّته وصدق كلامه… .
وأيضاً، فقد ورد في كتب الفريقين أنه صلّى الله عليه وآله قال لهم لمّا خرج بهم:
إذا أنا دعوت فأمّنوا(7).
أمرهم بذلك مع أنه لم يكن في دعائه خلل أو نقص فيحتاج إلى جبره بتأمينهم.
أمرهم بذلك مع كونه مستجاب الدّعوة.
فما هو ـ يا ترى ـ أثر حضور علي وفاطمة الصدّيقة والحسنين عليهم السّلام في هذا الموقف المصيري الذي قال كبير النصارى:
إني لأرى وجوهاً لو دعوا الله ليزيل جبلاً لأزاله(8)؟
نعم، لو وقعت المباهلة لما بقي نصراني على وجه الأرض(9).
إنّ حضور أهل البيت عليهم السّلام في المباهلة وتأمينهم على دعاء رسول الله صلّى الله عليه وآله، كان تثبيتاً لأصل نبوّة رسول الله وتحكيمها في مواجهة الكفر والنصرانيّة إلى يوم القيامة.
لقد كان لأهل البيت دور في نبوة نبيّنا ورسالته ودعوته، كما كان لهارون بالنسبة إلى موسى عليهما السّلام، غير أنّ هارون كان نبيّاً وأهل بيت رسول الله ليسوا بأنبياء.
فالبيت بيت النبوّة والدعوة إلى الله وهداية البشر في حياة النبي وبعد وفاته.
(1) نهج البلاغة: 411. الخطبة القاصعة.
(2) سورة طه، الآية: 29 ـ 30.
(3) بحار الأنوار 36 / 126، مطالب السئول: 21، تذكرة الخواص: 15، الفصول المهمّة: 124.
(4) سورة طه، الآية: 36.
(5) هذا من الأحاديث الثابتة المتواترة عند الخاصّة والعامّة. أنظر: نفحات الأزهار، الجزء 18.
(6) سورة آل عمران، الآية: 61.
(7) الكشّاف في تفسير القرآن 1 / 434، الصّافي في تفسير القرآن 1 / 343.
(8) الكشّاف في تفسير القرآن 1 / 369 ـ 370، أسد الغابة 4 / 26.
(9) البرهان في تفسير القرآن 1 / 638 نقلاً عن الحافظ الثعلبي.