مبيت أمير المؤمنين ابتغاء مرضات الله
وحياة أئمتنا عليهم السّلام كلّها في مرضات الله، وقد وصف الله عزّ وجلّ مبيت مولانا أمير المؤمنين على فراش رسول الله في ليلة هجرته بأنه كان ابتغاء مرضات الله، قال تعالى:
(وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ)(1).
كما ذكر المفسّرون والمحدّثون من الفريقين:
عن علي بن الحسين عليه السّلام في قوله عزّ وجلّ: (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ) قال: نزلت في علي عليه السّلام حين بات على فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله(2).
وعن سالم بن أبي الجعد يرفعه إلى أبي ذر رضي الله عنه: أن عليّاً وعثمان وطلحة والزبير وعبدالرّحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، أمرهم عمر بن الخطاب أن يدخلوا بيتاً ويغلق عليهم بابه ويتشاوروا في أمرهم، وأجّلهم ثلاثة أيام، فإن توافق خمسة على قول واحد وأبى رجل منهم قتل ذلك الرجل، وإن توافقوا أربعة وأبى إثنان قتل الإثنان، فلما توافقوا جميعاً على رأي واحد، قال لهم علي بن أبي طالب:
«إني أحبّ أن تسمعوا منّي ما أقول لكم، فإن يكن حقاً فاقبلوه وإن يكن باطلاً فانكروه».
قالوا: قل.
وذكر فضائله عليه السّلام ويقولون بالموافقة وذكر عليه السّلام في ذلك: «فهل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ) لمّا وقيت رسول الله صلّى الله عليه وآله ليلة الفراش غيري؟ قالوا: لا(3).
وروى السيد الرضي بإسناد مرفوع قال: قال ابن الكوا لأمير المؤمنين: أين كنت حيث ذكر الله نبيّه وأبا بكر فقال: (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا).
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: «ويلك يابن الكوا، كنت على فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد خرج عليّ ريطته، فأقبلت قريش مع كلّ رجل منهم هراوة فيها شوكها، فلم يبصروا رسول الله صلّى الله عليه وآله حيث خرج، فأقبلوا عليّ يضربونني بما في أيديهم حتى تنفط جسدي وصار مثل البيض، ثم انطلقوا يريدون قتلي، فقال بعضهم: لا تقتلوه الليلة ولكن أخّروه واطلبوا محمّداً.
قال: فأوثقوني بالحديد وجعلوني في بيت واستوثقوا مني ومن الباب بقفل، فبينا أنا كذلك إذ سمعت صوتاً من جانب البيت، يقول: يا علي، فسكن الوجع الذي كنت أجده وذهب الورم الذي كان في جسدي، ثم سمعت صوتاً آخر، يقول: يا علي، فإذا الحديد الذي في رجلي قد تقطع، ثم سمعت صوتاً آخر يقول: يا علي، فإذا الباب قد تساقط ما عليه وفتح، فقمت وخرجت، وقد كانوا جاؤا بعجوز كَمْهَاءَ لا تبصر ولا تنام تحرس الباب، فخرجت عليها وهي لا تعقل من النوم»(4).
وعن عمار بن ياسر، وذكر حديث مهاجرة النبي صلّى الله عليه وآله إلى المدينة ومبيت أمير المؤمنين عليه السّلام على فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى أن قال.
فحدّثنا رسول الله صلّى الله عليه وآله ونحن.
وعن عمار بن ياسر ـ وذكر حديث مهاجرة النبي صلّى الله عليه وآله إلى المدينة ومبيت أمير المؤمنين عليه السّلام على فراش رسول الله ـ فحدّثنا رسول الله ونحن معه بقباء عما أرادت قريش من المكر به، ومبيت علي عليه السّلام على فراشه قال: «أوحى الله عزّ وجلّ إلى جبرائيل وميكائيل عليهما السّلام إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيّكما يؤثر أخاه؟ وكلاهما كرها الموت، فأوحى الله إليهما عبداي، ألا كنتما مثل وليي علي؟ آخيت بينه وبين محمّد نبيي فآثره الحياة على نفسه ثم ظلّ ـ أو قال: رقد ـ على فراشه يقيه بمهجته، إهبطا إلى الأرض كلاكما فاحفظاه من عدوه، فهبط جبرائيل فجلس عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجعل جبرائيل عليه السّلام يقول: بخ بخ، من مثلك يابن أبي طالب والله يباهي بك الملائكة؟ قال: فأنزل الله عزّ وجلّ في علي عليه السّلام وما كان من مبيته على فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ)(5).
نعم، كانت حياتهم فى مرضات الله، وكانوا عالمين بما يوجب رضاه وسخطه، وإلاّ ما كانوا الأدلاّء على ذلك والمرشدين إليه.
(1) سورة البقرة، الآية: 207.
(2) بحار الأنوار 19 / 54.
(3) أمالي الطوسي: 551، إرشاد القلوب 2 / 262، بحار الأنوار 31 / 380.
(4) بحار الأنوار 36 / 43 و 44، خصائص الأئمّة: 58.
(5) سورة البقرة، الآية: 207.