ما ستره الله عن العباد محفوظٌ عند الأئمّة
إلاّ أن كلّ ذلك مودع عند الأئمّة، وهو دون مقامهم العلمي، إذ أنْ علمهم محيط بجميع ما في الكون في أعلى مراتبه، وإنّ جميع ما ستره الله عن سائر أفراد البشر موجود عندهم، وهم الحفظة والاُمناء على تلك الأسرار.
لقد وجد في أصحابهم من كان أهلاً لأنْ يعطوه شيئاً ممّا آتاهم الله من المعرفة والعلم، ثم قاموا بتعليم ما أخذوه ونشر ما استوعبوه، ولكنْ هل كان فيهم من كان أهلاً لأنْ يودَع شيئاً من الأسرار؟
قال أبو عبدالله الصّادق عليه السّلام لأبي بصير:
يا أبا محمّد، إنّ عندنا ـ والله ـ سرّاً من سرّ الله، وعلماً من علم الله، والله ما يحتمله ملك مقرّب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، والله ما كلّف الله ذلك أحداً غيرنا، ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا…(1).
وقد عبّروا عن تلك الحقائق المستورة بـ«الصعب المستصعب» في بعض الأخبار، كقوله عليه الصّلاة والسّلام:
حديثنا صعب مستصعب، لا يؤمن به إلاّ ملك مقرّب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان(2).
وقد يعبّرون عن ذلك بـ«العلم المكنون»، كقوله عليه السّلام في بعض الموارد:
هذا من العلم المكنون، ولولا أنكم سئلتموني ما أخبرتكم(3).
وعلى الجملة، فيظهر أنْ هناك حقائق كثيرةً مستورة عن عموم الناس، لا تدركها أفهامهم ولا تبلغها عقولهم، لكن الأئمّة الأطهار من أهل البيت عليهم السّلام يحملون تلك الأُمور كما ورد بتفسير قوله تعالى:
(وَكُلَّ شَيْء أَحْصَيْناهُ في إِمام مُبين)(4).
فقد روى الشيخ ابن بابويه الصّدوق بإسناده عن أبي جعفر الباقر عن أبيه عن جدّه قال: لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله، قام أبو بكر وعمر من مجلسهما فقالا: يا رسول الله، هو التوراة؟ قال: لا.
قالا: فهو الإنجيل؟
قال: لا.
قالا: فهو القرآن؟
قال: لا.
قال: فأقبل أمير المؤمنين علي عليه السّلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله هو هذا. إنه الإمام الذي أحصى الله تبارك وتعالى فيه علم كلّ شيء(5).
ويشهد بذلك الحديثان الثابتان عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:
أنا مدينة العلم وعلي بابها.
أنا مدينة الحكمة وعلي بابها.
وكذا غيرهما من الأحاديث الواردة في كتب الفريقين.
(1) الكافي 1 / 402.
(2) الكافي 1 / 20.
(3) عوالي اللآلي 2 / 38.
(4) سورة يس، الآية: 12.
(5) معاني الأخبار: 95.