ليس «العترة» مطلق الأقارب
وبما ذكرنا ظهر سقوط ما زعمه بعض المتكلّمين من أهل السنّة من أن «العترة» هم «الأقارب»، فلا يختصّ بالأئمّة، ونضيف إلى ذلك وجوهاً اُخرى:
أوّلاً: لِما عرفت من اتفاق اللّغويين على أنّ «العترة» هم أخصّ الأقارب وهم النسل والذريّة والأولاد، وأنْ عترة النبي صلّى الله عليه وآله هم ولد فاطمة عليها السّلام خاصّةً.
وثانياً: إنّ هذا الحديث يدلُّ على عصمة «العترة» كالقرآن الكريم، وذلك لأنه أمرٌ مطلق بالتمسّك والإطاعة والاتّباع والأخذ… والأمر بهذه المفاهيم بصورة مطلقة يلازم العصمة، والأئمّة هم المعصومون، ولم يُدّع العصمة لأحد من الصّحابة والأقرباء غيرهم أصلاً.
وثالثاً: إنّ هذا الحديث يشتمل في بعض ألفاظه على قوله:
فلا تقدّموهم فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهم فتهلكوا ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم(1).
فكان الحديث يدلُّ على أعلميّة عترته أهل بيته ممن سواهم مطلقاً، وكيف يكون مطلق «أقارب» النبيّ صلّى الله عليه وآله أعلم الناس من بعده؟ فهم ـ لا محالة ـ الأئمّة الأطهار المعصومون من ولده.
وممّا يؤكّد ما ذكرناه تصريح شرّاح الحديث واعترافهم بعدم شمول الحديث لغير الأئمّة الطّاهرين:
قال الحكيم الترمذي: «قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، واقع على الأئمّة منهم السّادة، لا على غيرهم(2).
وقال ابن حجر المكي: «فأهل البيت منهم أولى منهم بذلك، امتازوا عنهم بخصوصيّات لا يشاركهم فيه بقيّة قريش… ثم أحقّ من يتمسّك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، وكذلك خصّه صلّى الله عليه وآله بما مرّ يوم غدير خم»(3).
وقال الملاّ علي القاري: «الأظهر هو أن أهل البيت غالباً يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم المطّلعون على سيرته، وبهذا يصلح أن يكونوا مقابلاً لكتاب الله تعالى»(4).
وقال الشيخ عبدالحق الدهلوي: «المراد هنا من العترة أخصّ عشيرته وأقاربه، أي: أولاده وذريّته»(5).
وقال المناوي: «وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً»(6).
فالمراد من «أهل البيت» في آية التطهير هم «العترة أهل البيت» في حديث الثقلين، وسيأتي الكلام على آية التطهير ورأي بعض الخوارج والنواصب على خلاف آراء علماء المسلمين… في الموضع المناسب إن شاء الله.
هذا، وقوله في نهاية هذا المقطع:
(1) المعجم الكبير 5 / 166.
(2) نوادر الأصول: 69.
(3) الصواعق المحرقة 2 / 422.
(4) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 600.
(5) أشعّة اللّمعات في شرح المشكاة 4 / 681.
(6) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 3 / 19.