ظلمة الفتنة
والظلمة الرابعة: ظلمة الفتنة، ومن الخطورة بمكان، ولا تنجو منها اُمة من الاُمم، وقد ابتليت بها الاُمة الإسلاميّة كثيراً ولا تزال وستبقى في معرض الفتن… .
إن الفتنة هي الاختبار، ولكنّه قد يكون شديداً، بمعنى أن الطرق تكثر فيختفي طريق الحق، والأهواء تختلف، فلا يدرى أيّها الصحيح، فتكتنف الظلمة الطريق الحق والصراط المستقيم ويضيع الرأي الصحيح بين الآراء، ويقع الإنسان في الحيرة ولا يهتدي إلى الحقيقة… وفي مثل هذه الحالة لابدّ من اللّجوء إلى الثقلين:
القرآن… فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن(1).
وذلك لأن القرآن كما وصف نفسه فقال:
(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدي لِلَّتي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنينَ…)(2).
وأهل البيت… فقد قال رسول الله:
ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب(3).
وهذا الحديث ـ وإنْ ناقش في سنده بعض الناس ـ معتضد بالحديث الصحيح:
علي مع القرآن والقرآن مع علي(4).
وبالحديث المتواتر:
إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلوا…(5).
وهذا الحديث ـ المعروف بحديث الثقلين ـ هو وصيّة النبيّ صلّى الله عليه وآله للاُمّة بصورة عامّة، ومثله بعض الأحاديث الاخرى.
وقد اُوصى رسول الله أشخاصاً من أصحابه بلزوم علي أمير المؤمنين في جملة وصاياه الخاصّة، ومن ذلك أنه قال لعمار بن ياسر رضي الله عنه:
يا عمّار، إذا رأيت عليّاً سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره، فاسلك مع علي ودع الناس(6).
وهي وصيّة مفصّلة أوردتها الكتب والمصادر المعتبرة، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن النبي صلّى الله عليه وآله قد أخبر عماراً على مرأى ومسمع من الرأي العام قائلاً: «تقتلك فئة باغية»(7).
لقد كان نتيجة أمره صلّى الله عليه وآله عمّاراً بملازمة أمير المؤمنين عليه السّلام وسلوك طريقه، ثم إخباره بهوية من يقتله، أن يكون عمار ميزاناً لمعرفة الحق من الباطل ولا جدال في ذلك.
فلما جاء يوم صفين واستعرّ أوار الحرب، كان بعض الناس يراقبون عمار بن ياسر رضوان الله عليه ويترقّبون خروجه في احدى الفئتين، لأنّ الشائعات التي أشاعها معاوية وأصحابه ضدّ الإمام علي عليه السّلام قد أوقعتهم في الحيرة وسلبتهم القدرة على التمييز بين جبهة الحق وجبهة الباطل رغم وجود أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام، الذي هو ميزان العمل والفاروق بين الحق والباطل.
فما كان من أولئك الناس الذين التبست عليهم الأُمور وتشابهت طرقها، إلاّ أن يميلوا إلى جهة أمير المؤمنين قبل وبعد شهادة عمّار، وقاتلوا ضدّ معاوية ونجوا بذلك من ضلالة الفتنة.
وما ذلك إلاّ ببركة وصيّة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله إلى عمّار، لتظهر مصداقيّة «أئمّة الهدى ومصابيح الدجى».
(1) الكافي 2 / 598 ـ 599، وسائل الشيعة 6 / 171.
(2) سورة الإسراء، الآية: 9.
(3) الاستيعاب 4 / 1744، أسد الغابة 5 / 270.
(4) بحار الأنوار 22 / 476، الصواعق المحرقة 2 / 361.
(5) انظر: نفحات الأزهار، الأجزاء 1 ـ 3.
(6) تاريخ بغداد 13 / 186، كنز العمال 12 / 212، فرائد السمطين 1 / 178، مناقب علي للخوارزمي: 57.
(7) صحيح مسلم 8 / 185، تاريخ مدينة دمشق 43 / 429، البداية والنهاية 3 / 264، وبحار الأنوار 23 / 22 مع اختلاف بسيط في بعض الألفاظ، ومن ذلك: عن أبي سعيد الخدري قال: أخبرني من هو خير منّي: أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لعمار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: أبشر ابن سمية تقتلك فئة باغية.