طرق أخذهم الأحكام
وهكذا يكون الأئمّة «المظهرين لأمر الله ونهيه».
ثم إنه قد تقرّر في محلّه أنّ الأئمّة عليهم السّلام يعلمون بالأحكام وسائر معالم الدين ومعارفه عن طريقين:
الأوّل: الإلهام، فإنه وإنْ انقطع الوحي الإلهي بموت النبي صلّى الله عليه وآله، ولكنّ الأئمّة عليهم السّلام ملهمون ومحدّثون، فقد سئل الرّضا عليه السّلام عن شيء من أمر العالم فقال:
نكت في القلب ونقر في الأسماع، وقد يكونان معاً(1).
وسئل عليه السّلام: علم عالمكم استماع أو إلهام؟ قال:
يكون سماعاً ويكون إلهاماً، ويكونان معاً(2).
والثاني: الأخذ من النبي صلّى الله عليه وآله، فإنّ الأئمّة عليهم السّلام يروون عن آبائهم إلى أمير المؤمنين علي عليه السّلام، وهو تلميذ النبيّ صلّى الله عليه وآله، وقد قال:
أنا مدينة العلم وعلي بابها(3).
وهو الذي علّمه النبيّ ألف باب يفتح له من كلّ باب ألف باب كما في الحديث المشهور إذا قال عليه السّلام:
علّمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كلّ باب ألف باب(4).
وعن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال:
سئل علي عن علم النبيّ فقال: علم النبيّ علم جميع النبيين وعلم ما كان وما هو كأن إلى قيام الساعة. ثم قال: والذي نفسي بيده، إني لأعلم علم النبيّ صلّى الله عليه وآله وعلم ما كان وما هو كائن فيما بيني وبين قيام الساعة(5).
ثم إنّ ذلك كلّه قد انتقل إلى الأئمّة، كما روى أبو حمزة الثمالي عن الإمام عن السجّاد عليه السّلام قال:
قلت له: جعلت فداك، كلّ ما كان عند رسول الله فقد أعطاه أمير المؤمنين بعده ثم الحسن بعد أمير المؤمنين ثم الحسين ثم كلّ إمام إلى أنْ تقوم الساعة؟
قال: نعم مع الزيادة التي تحدث في كلّ سنة وفي كلّ شهر. إي ـ والله ـ وفي كلّ ساعة(6).
لكنّ الذي في الزيارة الجامعة: «والمظهرين لأمر الله ونهيه» وليس: «الناقلين لأمر الله ونهيه» ولا «الرّاوين لأمر الله ونهيه» ونحو ذلك… فلعلّه للإشارة إلى أن من الأحكام ما ليس في الكتاب والسنّة أصلاً والناس بحاجة إليه، وقد جعل الله الأئمّة عليهم السّلام «المظهرين» لهذه الأحكام كذلك… وتوضيح ذلك:
إنه لا ريب في أن المشرّع هو الله عزّ وجلّ:
(لِكُلّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجًا)(7).
ثم إن الله قد أكمل دينه في يوم غدير خم، إذ قال:
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الاِْسْلامَ دينًا)(8).
وقال النبيّ صلّى الله عليه وآله في ذلك اليوم:
يا أيها الناس، والله ما من شيء يقرّبكم من الجنّة ويباعدكم عن النار إلاّ وقد أمرتكم به، وما من شيء يقرّ بكم من النار ويباعدكم من الجنّة إلاّ وقد نهيتكم عنه(9).
(1) بصائر الدرجات: 316.
(2) المصدر: 317.
(3) هذا حديث مدينة العلم، المتفق عليه بين المسلمين. انظر: نفحات الأزهار، الأجزاء: 10 ـ 12.
(4) مناقب آل أبي طالب 2 / 36، كنز العمال 13 / 114.
(5) بصائر الدرجات: 127، بحار الأنوار 26 / 110.
(6) بصائر الدرجات: 269، الاختصاص: 314.
(7) سورة المائدة، الآية: 48.
(8) سورة المائدة، الآية: 3.
(9) الكافي 2 / 74، وسائل الشيعة 17 / 45.