روايةٌ في الإيمان
إنّ الاعتقاد الجازم والتصديق المطلق يكون في القلب وهو فعله، ويكون في الجوارح، وهو الامتثال للأوامر والنواهي، وفي الكافي «باب أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلّها»(1).
وعن أبي عمرو الزبيري قال: قلت لأبي عبدالله عليه السّلام:
«أيّها العالم! أخبرني أيّ الأعمال أفضل عند الله؟
قال: ما لا يقبل الله شيئاً إلاّ به.
قلت: وما هو؟
قال: الإيمان بالله الّذي لا إله إلاّ هو، أعلى الأعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها حظاً.
قال: قلت: ألا تخبرني عن الإيمان، أقول هو وعمل أم قول بلا عمل؟
فقال: الإيمان عمل كلّه والقول بعض ذلك العمل، بفرض من الله بيّن في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجّته، يشهد له به الكتاب ويدعوه إليه.
قال: قلت: صفه لي جعلت فداك حتّى أفهمه.
قال: الإيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل، فمنه التام المنتهى تمامه ومنه الناقص البيّن نقصانه، ومنه الراجح الزائد رجحانه.
قلت: إنّ الإيمان ليتم وينقص ويزيد؟
قال: نعم.
قلت: كيف ذلك؟
قال: لأنّ الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرّقه فيها، فليس من جوارحه جارحة إلاّ وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها، فمنها قلبه الّذي به يعقل ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الّذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلاّ عن رأيه وأمره، ومنها عيناه اللتان يبصر بهما وأذناه اللتان يسمع بهما ويداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي بهما وفرجه الّذي الباه من قبله، ولسانه الّذي ينطق به، ورأسه الّذي فيه وجهه، فليس من هذه جارحة إلاّ وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها، بفرض من الله تبارك اسمه».
وفي هذه الرواية فوائد كثيرة.
ثم قال عليه السّلام:
«فأمّا ما فرض على القلب من الإيمان، فالإقرار والمعرفة والعقد والرّضا والتسليم بأنْ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، إلهاً واحداً لم يتّخذ صاحبةً ولا ولداً، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ـ صلوات الله عليه ـ والإقرار بما جاء من عند الله…»(2).
لذلك كان أئمتنا على أعلى مستوى من درجات الإيمان، فقد سُئِل أبو جعفر الباقر عليه السّلام:
أيّ شيء تعبد؟
قال: الله
قال: رأيته؟
قال: بلى، لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكنْ رأتْهُ القلوب بحقائق الإيمان»(3).
من هنا، فإنّ قوله عليه السّلام:
«لو كُشِفَ لي الغطاء ما ازددت يقيناً»(4).
ناظر إلى هذا الجانب.
وهم القائلون:
«بنا عُرِف الله، بنا عُبِدَ اللّهُ».
وسنذكر بعض الأبحاث بهذا الصّدد في شرح عبارة «من أراد الله بدأ بكم» من هذه الزيارة. إن شاء الله.
وبما ذكرنا ظهر: أن «الإيمان» أو «ما يجب الاعتقاد به» بالاعتقاد الجازم، والتصديق به مطلقاً، هو «الدين» والشريعة المقدّسة الإسلاميّة… .
(1) الكافي 2 / 33.
(2) الكافي 2 / 33 ـ 34.
(3) الكافي 1 / 97.
(4) مناقب آل أبي طالب 2 / 38، بحار الأنوار 40 / 153.