حكم الصدوق بصحة أخبار كتابه
لقد صرّح الشيخ الصّدوق في مقدمة كتابه (الفقيه) ونصّ على وثوقه بما أخرجه فيه، وأنه يفتي بما جاءت به تلك الروايات، وهذه عبارته:
ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنه حجّة فيما بيني وبين ربّي ـ تقدّس ذكره وتعالت قدرته ـ . وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع…(1).
وقد وقع الكلام في ذلك بين الأعلام، لا سيّما وقد وجدوا التنافي بين بعض فتاواه في كتبه الفقهية كالمقنع والهداية، والأخبار المرويّة في كتابه المزبور، والمهمّ هنا ما حكاه السيد الحكيم عن الشيخ المجلسي، من أنّ الشيخ الصّدوق قد عدل عمّا نصّ عليه في أوّل كتابه، ثم أشكل على هذا الكلام بأنه يستلزم نسبة التدليس إلى الصّدوق، لأنه لم ينبّه على هذا العدول في موضعه، وشأن الصّدوق أجلّ من ذلك، وهذا نصّ كلام الفقيه الحكيم:
وإيراد الصّدوق للمرسل في كتابه لا يدلّ على اعتقاده بمضمونه، لأنه عدل عمّا ذكر في صدر كتابه كما عن المجلسي.
وإنْ كان يشكل ذلك: بأن الواجب التنبيه منه على ذلك، لئلاّ يكون تدليساً، وهو بعيد عن مقامه الأقدس.
مع أن حصول البداء له في ذلك مستبعد جدّاً(2).
وعلى الجملة، فإنه ـ بالإضافة إلى عدم الدليل على ما ذكره المجلسي ـ لا يمكن الاعتماد على التوجيه المزبور، وعليه، فإن أخبار كتاب (من لا يحضره الفقيه) باقية على الاعتبار عند الصّدوق، إلاّ ما ثبت عدوله عنه منها، والرواة المرويّ عنهم في الكتاب موثوق بهم عنده، إلاّ من قام الدليل على خلاف ذلك.
(1) من لا يحضره الفقيه 1 / 2 ـ 3.
(2) مستمسك العروة الوثقى 1 / 303.