بعث الرّسول و نصب الإمام شرط صحّة المؤاخذة
إنّ الله عزّ وجلّ يقول:
(وَما كُنّا مُعَذِّبينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(1).
أي: حتى نقيم الحجّة ونتمّها على النّاس، لا برسول واحد، بل
(رُسُلاً مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)(2).
فلا يقول أحدٌ:
(رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنينَ)(3).
بل لله الحجّة البالغة على الخلق أجمعين، كما قال:
(قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ)(4).
وقد ورد بذيل هذه الآية المباركة عن مسعدة بن صدقة عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال:
إنّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي أكنت عالماً؟
فإن قال: نعم.
قال له: أفلا عملت بما علمت؟
وإن قال: كنت جاهلاً.
قال له: أفلا تعلّمت حتّى تعمل؟
فيخصمه وذلك الحجّة البالغة(5).
ثم إنّ الأئمّة عليهم السّلام حجج لله ظاهرة، والعقل حجّةٌ باطنة، كما في الرّواية عن الإمام الكاظم عليه السّلام:
يا هشام، إن لله على الناس حجتين، حجة ظاهرة وحجة باطنة. فأمّا الظاهرة، فالرّسل والأنبياء والأئمّة. وأمّا الباطنة فالعقول»(6).
وقد قامت الأدلّة النقليّة والبراهين العقليّة على ضرورة وجود الحجة على الأرض في كلّ زمان، وأنّ الأرض لا تخلو من حجة لله أبداً… ونكتفي بواحدة من الروايات في الباب، وفيها الإشارة إلى البرهان العقلي، وهي عن أبي عبدالله عليه السّلام أنه قال للزنديق الذي سأله:
من أين أثبتّ الأنبياء والرسل؟
قال: إنّا لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجّهم ويحاجّوه، ثبت أن له سفراء في خلقه يعبّرون عنه إلى خلقه وعباده ويدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم.
فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبّرون عنه جلّ وعزّ وهم الأنبياء وصفوته من خلقه، حكماء مؤدّبين في الحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس، على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب في شيء من أحوالهم مؤيّدون عند الحكيم العليم بالحكمة، ثم ثبت ذلك في كلّ دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين، لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدلّ على صدق مقالته وجواز عدالته(7).
(1) سورة الإسراء، الآية: 15.
(2) سورة النساء، الآية: 165.
(3) سورة القصص، الآية: 47.
(4) سورة الأنعام، الآية: 149.
(5) أمالي المفيد: 228، بحار الأنوار: 2 / 29.
(6) الكافي 1 / 16، وسائل الشيعة 15 / 207، بحار الأنوار 1 / 137.
(7) الكافي 1 / 168.