المراد من «المنتهى»
وقد أشرنا إلى أن كلمة «المنتهى» هنا تحتمل معنيين:
أحدهما: أن الأئمّة عليهم السّلام في أعلى درجات الحلم، لأنّ الناس متفاوتون في هذه الصّفة كغيرها من الصفات، لكنّ الأئمّة قد حازوا أسمى تلك الدرجات وأعلاها، فلا يدانيهم أحدٌ في هذه الصّفة الكريمة.
والثاني: أن الأئمّة هم القدوة والاُسوة في الحلم، ومنهم تعلّم الناس هذه الصّفة وبهم اقتدوا فيها، فهم معين الحلم ومنبعه وإليهم ينتهي وهم الأصل له كما في الصّفات الأخرى والكمالات العليا… وإنّ من تحلّى بهذه الصفة فقد استقاها منهم عليهم السّلام.
وخير شاهد على ذلك ما ظهر على شيعة آل البيت عليهم السّلام من التحلّي بالصبر والحلم في مواجهتهم للمصاعب والمصائب على مرّ العصور مما جرّت عليهم الويلات والمحن، فثبتوا وصبروا اقتداءً بأئمتهم واقتفاء آثارهم في بالاستقامة أمام ما لاقوه من أعدائهم. ولذلك كانت مصائبهم عليهم السّلام ما يسلّي شيعتهم ويسكّن آلامهم ويداوي جراحاتهم، ومعيناً للصبر والمصابرة والمرابطة على مرّ الدهور في طريقهم الذي قلّ سالكوه.
وقد يفسّر «الحلم» بـ«العقل» وهو هنا صحيح أيضاً، لكنّه ليس بمراد لما سيأتي من وصف الأئمّة بـ«اُولي النهى».
لكن الراغب يقول: قال الله تعالى:
(أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ)(1).
قيل: معناه عقولهم.
وليس الحلم في الحقيقة هو العقل، لكنْ فسّروه بذلك لكونه من مسبّبات العقل، وقد حلم وحلّمه العقل وتحلّم…(2).
(1) سورة الطور، الآية: 32.
(2) المفردات في غريب القرآن: 129.