المراد من «العباد»
و«العباد» جمع «العبد» وهو خلاف الحرّ، وقد يراد به العابد.
والظاهر أن المراد هنا هو العموم، لأنّ الأئمّة هم القوّام بأمر عباد الله في التربية وفي العبادة له سبحانه. وتوضيح ذلك هو:
إن «العبد» قد يجمع بلفظ «العباد»، والمراد منه غالباً هو عبد العبادة أي: العابد، وقد يجمع بلفظ «العبيد»، والمراد منه غالباً هو العبد المملوك، المبحوث عنه في الفقه في كتاب العبيد والإماء، ومن موارد إطلاق «العباد» وإرادة «العبيد» قوله تعالى:
(وَأَنْكِحُوا الاَْيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ)(1).
كما يطلق «العبيد» ولا يراد «المماليك» ولا العباديّة لله، بل يراد العبيد في الطّاعة، ومن ذلك ما روي عن مولانا الإمام علي بن موسى الرّضا أنه قال في قوله تعالى:
(أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكًا عَظيمًا)(2).
«الناس عبيد لنا في الطّاعة»(3).
فتحصّل: ورود «العبد» بثلاثة معان:
1 ـ العبد، بمعنى العابد.
2 ـ العبد، بمعنى المملوك.
3 ـ العبد، في الطّاعة… .
وفي الآية المذكورة كلمتان:
احداهما: «الناس المحسودون»، وقد قال الأئمّة عليهم السّلام بتفسيرها:
«نحن المحسودون»(4).
والثانية: «الملك العظيم»، وقد قالوا بتفسيرها:
«أي: الطّاعة المفروضة»(5).
وهذه الآية من أوضح الآيات في الدلالة على الولاية التكوينية والتشريعيّة للأئمّة المعصومين من العترة النبوية المطهّرة، لأنّ هذا الملك العظيم هو مقام «الولاية» المطلقة المذكورة في الآية المباركة:
(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).(6)
ومن هنا، فقد عُبّر عن المعصومين من أهل البيت بـ«اولوا الأمر» في الآية المباركة:
(أَطيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ).(7)
وإذا كانت دالّةً على الولاية المطلقة ـ كما سيأتي بيانه في الموضع المناسب لذلك ـ جاز إرادة المعنى الثاني من المعاني الثلاثة، أمّا المعنى الأوّل، فلا يقوله أحد من الشّيعة أبداً.
وتسمية الشيعة أبناءهم بـ«عبد الزهراء» و «عبد الحسين» ونحو ذلك، إنما هو بالمعنى الثالث، لأن الشيعة قد سلّموا لأمر الله وإنْ جحد الناس، فهم عبيد لأهل البيت الأطهار في الطّاعة… بل يجوز أن يكون بالمعنى الثاني أيضاً كما أشرنا.
لكنّ بعض المخالفين يرموننا بالغلوّ والعبادة للأئمّة عليهم السّلام بسبب تلك التسميات، وكأنهم يجهلون أو يتجاهلون مجئ «العباد» بمعنى «العبيد» كما في قوله سبحانه:
(وَأَنْكِحُوا الاَْيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ).(8)
فالمراد من التسمية بـ«عبدالحسين» مثلاً كون الرجل عبد طاعة لأبي عبدالله الحسين الشهيد عليه السّلام أو عبد رقٍّ له، وأما العبوديّة والعبادة فهي لله الواحد الأحد الذي لا شريك له.
ولقد بيّنا سابقاً أن عقيدتنا بالأئمّة الطاهرين تتحدّد بين الغلوّ والتقصير حسب ما عرّفوا به أنفسهم من خلال ما نطقوا به كما في الأخبار المرويّة عنهم.
إنّ الواحد منا يخاطبهم لدى الاستيذان للدخول عليهم بقوله:
عبدك وابن عبدك وابن أمتك المقرّ بالرقّ والتارك للخلاف عليكم(9).
ولا يقصد إلاّ كونه مفترض الطّاعة، وأنه صاحب الولاية الكبرى، أمّا أنْ يقصد العبادة فهذا شرك، وقد قال الأئمّة عليهم السّلام:
إنا عبيد مربوبون، لا تجعلونا ربّاً…(10).
(1) سورة النور، الآية: 32.
(2) سورة النساء، الآية: 54.
(3) الكافي 1 / 187.
(4) الكافي 1 / 187، شواهد التنزيل 1 / 184، جواهر العقدين 2 / 96، المناقب لابن المغازلي: 267.
(5) الكافي 1 / 186.
(6) سورة المائدة، الآية: 55.
(7) سورة النساء، الآية 59.
(8) سورة النور، الآية: 32.
(9) بحار الأنوار 98 / 199.
(10) بحار الأنوار 25 / 270 عن الخصال 2 / 614.