الزيارة الجامعة في كلمات الأكابر
ولا بأس بإيراد بعض الكلمات بشأن الزيارة الجامعة:
فمن ذلك كلام المولى محمّد تقي المجلسي رحمه الله، فإنه قال:
«ولمّا وفّقني الله تعالى لزيارة أمير المؤمنين عليه السّلام شرعت في حوالي الروضة المقدّسة في المجاهدات، وفَتَحَ الله عليَّ ببركة مولانا صلوات الله عليه أبواب المكاشفات التي لا تحتملها العقول الضعيفة، رأيت في ذلك العالم ـ وإن شئت قلت: بين القوم واليقظة ـ عند ما كنت في رواق عمران جالساً، أنّي بِسُرَّ من رأى، ورأيت مشهدها في نهاية الإرتفاع والزينة ورأيت على قبريهما لباساً أخضر من لباس الجنّة، لأنه لم أر مثله في الدنيا، ورأيت مولانا مولى الأنام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه جالساً ظهره على القبر ووجهه إلى الباب، فلمّا رأيته شرعت في الزيارة الجامعة بالصّوت المرتفع كالمدّاحين، فلمّا أتممتها قال عليه السّلام: نعمت الزيارة.
قلت: مولاي، روحي فداك، زيارة جدّك، وقد أشرت إلى نحو القبر.
قال: نعم، أدخل…(1).
وقال رحمه الله بشرح الزيارة من كتابه (روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه):
والحاصل: إنه لا شك لي أن هذه الزيارة من أبي الحسن الهادي سلام الله عليه بتقرير الصّاحب عليه السّلام، وأنها أكمل الزيارات وأحسنها، بل بعد تلك الرؤيا، أكثر الأوقات أزور الأئمّة عليهم السّلام بهذه الزيارة، وفي العتبات العاليات ما زرتهم إلاّ بهذه الزيارة»(2).
وهذه حكاية فريدة من نوعها ومكاشفة جليلة قد حصلت لهذا العالم الجليل، ولا ينالها إلاّ ذو حظ عظيم.
وهذا كلام صادر عن عَلَم من الأعلام ألا وهو المجلسي الأول رحمه الله وله شأن عظيم في الطائفة. وحسبما أفصح عنه، فالزيارة الجامعة أكمل الزيارات وأحسنها، وهي ليست من اختلاق البعض أو قد لفّقها أحد ثم نسبها إلى الإمام الهادي عليه السّلام.
ومن ذلك: كلام المولى محمّد باقر المجلسي الثاني رحمه الله، فيقول في نفس الصدد:
«وإنما بسطت الكلام في شرح تلك الزيارة قليلاً وإن لم أستوفِ حقّها حذراً من الإطالة، لأنها أصحّ الزيارات سنداً وأعمّها مورداً وأفصحها لفظاً وأبلغها معنىً وأعلاها شأناً»(3).
وهي شهادة أخرى من عَلَم خبير في معرفة الروايات والأدعية والزيارات، وليس لمنصف فيه ملمز ولا مهمز، وهو حجة عندنا وليس لنا من محيص في الإذعان بإخلاصه وخدماته والأخذ عنه في هذه الموارد.
ومن العلماء الذين أدلوا بدلوهم في هذه القضية وهو أهل لذلك: السيد عبدالله شبر الآنف الذكر، وكان معاصراً للعلامة المجلسي رحمه الله والسيد نعمة الله الجزائري رحمه الله، وهؤلاء في طبقة واحدة من الشأنية والمكانة. يقول رحمه الله في هذا المجال:
«إن زيارة الجامعة الكبيرة من أعظم الزيارات شأناً وأعلاها مكانة ومكاناً، وإنّ فصاحة ألفاظها وفقراتها وبلاغة مضامينها وعباراتها تنادي بصدورها من عين صافية نبعت عن ينابيع الوحي والإلهام، وتدعو إلى أنها خرجت من ألسنة نواميس الدين ومعاقل الأنام، فإنها فوق كلام المخلوق وتحت كلام الخالق الملك العلاّم، قد اشتملت على الإشارة إلى جملة من الأدلة والبراهين المتعلقة بمعارف أصول الدين وأسرار الأئمّة الطاهرين ومظاهر صفات رب العالمين، وقد احتوت على رياض نضرة وحدائق خضرة، مزينة بأزهار المعارف والحكمة، محفوفة بثمار أسرار أهل بيت العصمة، وقد تضمّنت شطراً وافراً من حقوق أولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم وأهل البيت الذين حثّ الله على متابعتهم، وذوي القربى الذين أمر الله بمودّتهم، وأهل الذكر الذين أمر الله بمسألتهم، مع الإشارة إلى آيات فرقانيّة وروايات نبويّة وأسرار إلهيّة وعلوم غيبيّة ومكاشفات حقيّة وحكم ربانيّة…»(4).
وهكذا هو شأن علمائنا الأعلام في كلّ ما يقولونه في الموارد المختلفة، فإن كلامهم يخرج موزوناً ودقيقاً، سواء كان مدحاً أو ذمّاً، نهياً أو أمراً، كتاباً أو رواية وحديثاً، فهم عرفاء حكماء يعون ما يقولون. ومن هذا المنطلق يأتي كلام السيّد عبدالله شبّر في وصف الزيارة: «فإنها فوق كلام المخلوق وتحت كلام الخالق».
ثم يعطف على ذلك بقوله:
«إشتملت على الإشارة إلى جملة من الأدلّة والبراهين المتعلّقة بمعارف أصول الدين».
(1) لوامع صاحبقراني 8 / 664.
(2) روضة المتّقين 5 / 452.
(3) بحار الأنوار 99 / 144.
(4) الأنوار اللاّمعة في شرح الزيارة الجامعة: 18.