«الذكر» إمّا القرآن و إمّا النّبيّ و الأئمّة أهله
«الذّكر» إمّا هو القرآن الكريم، كما قال عزّ وجلّ:
(وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لََمجْنُونٌ)(1).
وإمّا هو النبي صلّى الله عليه وآله، كما قال سبحانه:
(قَدْ أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّهِ)(2).
ولا شك أن الأئمّة هم أهل القرآن وأهل النبيّ.
بل ليس أهل القرآن إلاّ الأئمّة الأطهار من أهل بيت النبيّ، لقوله تعالى:
(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَريمٌ * في كِتاب مَكْنُون * لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ)(3).
والمطهّرون هم أهل بيت النبي المقصودون بقوله:
(إِنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيرًا)(4).
وأهل بيته هم: علي وفاطمة والحسنان والأئمّة… لأنّه لمّا جمع أهل بيته في نزول الآية، قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، أو قال: اللّهم إنّ هؤلاء آل محمّد(5).
ولذا جاء بتفسير الآية الذكر:
عن أبي جعفر عليه السّلام في قول الله عزّ وجلّ: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: الذّكر أنا، والأئمّة عليهم السّلام أهلُ الذّكر…(6).
وعن عبدالرحمن بن كثير، قال: قلت: لأبي عبدالله عليه السّلام: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)؟ قال: الذِكُر: محمّد صلّى الله عليه وآله، ونحن أهله المسؤولون(7).
وعن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام في قول الله تعالى: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
قال: الذكر: القرآنُ، وآلُ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله أهل الذكر، وهم المسؤولون(8).
وعن الرّيّان بن الصّلت، قال: حَضَر الرضا عليه السّلام مَجْلِسَ المأمون بمَرْو وقد اجتمع في مجلسه من علماء العراق وخراسان، وذكر الحديث إلى أن قال فيه الرضا عليه السّلام: «نحن أهل الذكر الّذين قال الله في كتابه: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فنحن أهلُ الذكر، فاسألوا إن كنتم لا تعلمون».
فقالت العلماء: إنّما عنى الله بذلك اليهود والنصارى. فقال أبو الحسن عليه السّلام: «سبحان الله، وهل يجوز ذلك؟ إذن يدعونا إلى دينهم، ويقولون: هو أفضل من دين الإسلام».
فقال المأمون: فهل عندك في ذلك شرحٌ بخلاف ما قالوا، يا أبا الحسن؟ فقال عليه السّلام: «نعم، الذِكرُ: رسول الله صلّى الله عليه وآله ونحن أهله، وذلك بيّن في كتاب الله تعالى حيث يقول في سورة الطلاق: (فَاتَّقُوا اللّهَ يا أُولِي الاَْلْبابِ الَّذينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّهِ مُبَيِّنات)(9) فالذِكر: رسولُ الله، ونحنُ أهله»(10).
فعلى الاُمة الرجوع ـ بعد رسول الله ـ إلى الأئمّة الطّاهرين في جميع شئونها، وعليهم الإطاعة المطلقة لهم، لأنّ الأمر بالسؤال يستتبع الأمر بقبول الجواب مطلقاً، لأنه مقتضى الإطلاق… وذلك يستلزم أمرين مهمّين جدّاً:
أحدهما: عصمة الأئمّة، إذ لو جاز عليهم الخطأ والسّهو والنسيان لما اُمر بالسؤال منهم والقبول لما يجيبون على نحو الإطلاق.
والآخر، كونهم أعلم من غيرهم، لأنّ الله لا يأمر بالسؤال من الجهال، كما في الرواية:
أمر الله عزّ وجلّ بسؤالهم ولم يؤمروا بسؤال الجهّال(11).
ولأنّ العقل لا يجوّز الرجوع إلى المفضول مع وجود الأفضل.
هذا، مضافاً إلى أنّ حياة الأئمّة عليهم السّلام كاشفة عن أنهم لم يُسئلوا عن شيء فجهلوه أو أخطأوا في الجواب أو سهوا، وكم فرق بينهم وبين المناوئين لهم المدّعين لمنازلهم!
(1) سورة الحجر، الآية: 6.
(2) سورة الطلاق، الآية: 10 ـ 11.
(3) سورة الواقعة، الآية: 77 ـ 79.
(4) سورة الأحزاب، الآية: 33.
(5) أنظر: نفحات الأزهار 20 / 78 ـ 85 .
(6) الكافي 1 / 210.
(7) المصدر نفسه.
(8) بصائر الدرجات: 62.
(9) سورة الطلاق، الآية: 10 و 11.
(10) عيون أخبار الرضا 2 / 216، أمالي الصدوق: 625.
(11) الكافي 1 / 295، وسائل الشيعة 27 / 66.