التصريح بالوصيّة في حديث الدّار
فإنّ الأحاديث الواردة في أنّ الأئمّة أوصياؤه ـ وخاصّةً ما ورد صريحاً في وصاية أمير المؤمنين بلفظ الوصاية وما بمعناها ـ كثيرة، ولعلّ من أشهرها قوله في السّنين الأولى من بعثته، في يوم الإنذار لمّا نزل عليه قوله تعالى:
(وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ الاَْقْرَبينَ)(1).
إنه قال مخاطباً لرجال عشيرته الذين دعاهم ليعرض عليهم الدين ويبلّغهم ما اُمر به من الإيمان بالله وبرسالته:
«أيّكم يكون أخي ووارثي ووزيري وخليفتي فيكم من بعدي».
وهذه رواية المتقي عن جماعة من الأئمّة:
«عن عليٍّ، قال: لَمَا نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم (وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ الاَْقْرَبينَ) دعاني رسول الله فقال: يا عليّ، إنّ أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعاً وعرفت أنّي مهما أُناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتُّ عليها، حتى جاءني جبريل فقال: يا محمّد، إنّك إنْ لم تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربّك.
فاصنع لي صاعاً من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واجعل لنا عُسّاً من لبن، ثم اجمع لي بني عبدالمطّلب حتى أُكلّمهم وأُبلّغ ما أُمرت به.
ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه: أبو طالب وحمزة والعبّاس وأبو لهب، فلمّا وضعته تناول النبيّ جشب حزبة من اللّحم، فشقّها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال: كلوا بسم الله.
فأكل القوم حتى نهلوا عنه، ما نرى إلاّ آثار أصابعهم، والله إن كان الرّجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدّمت لجميعهم.
ثم قال: إسقِ القوم يا علي، فجئتهم بذلك العسّ، فشربوا منه حتّى رووا جميعاً، وأيم الله إن كان الرجل منه ليشرب مثله.
فلمّا أراد النبيّ أن يكلّمهم بَدرَه أبو لهب إلى الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم. فتفرّق القوم، ولم يكلّمهم النبيّ.
فلمّا كان الغد فقال: يا عليّ، إنّ هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول، فتفرّق القوم قبل أنْ أُكلّمهم، فعد لنا مثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب، ثم اجمعهم لي.
ففعلت ثم جمعتهم. ثم دعاني بالطعام فقرّبته ففعل به كما فعل بالأمس، فأكلوا وشربوا حتى نهلوا، ثم تكلّم النبيّ فقال:
يا بني عبدالمطّلب، إنّي ـ والله ـ ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أنْ أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا؟
فقلت ـ وأنا أحدثهم سنّاً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً ـ أنا يا نبيّ الله، أكون وزيرك عليه.
فأخذ برقبتي فقال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا.
فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لِعَليّ.
ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل»(2).
فأنت ترى أنّه دعا إلى توحيد الله وإلى رسالته وإلى الإمامة والخلافة من بعده لعلي، منذ اليوم الأوّل من دعوته العلنيّة… .
(1) سورة الشعراء، الآية: 214.
(2) كنز العمّال 13 / 133.