الإمام المهدي حجّة الله
وأما اعتراض بعض المتكلّمين من العامّة على ذلك بغيبة الإمام الثاني عشر عليه السّلام، فقد أجاب عنه علماؤنا بالتفصيل. قال المحقّق النصير الطوسي:
وجوده لطف وتصرّفه لطف آخر وعدمه منّا.
فقال العلاّمة الحلّي بشرحه:
أقول: هذه اعتراضات على دليل أصحابنا مع الإشارة إلى الجواب عنها:
الأول: قال المخالف: كون الإمامة قد اشتملت على وجه اللّطف لا يكفي في وجوبها على الله تعالى بخلاف المعرفة التي كفى وجه الوجوب فيه علينا لانتفاء المفاسد في ظننا، أمّا في حقه تعالى فلا يكفي وجه الوجوب ما لم يعلم انتفاء المفاسد ولا يكفي الظن بانتفائها، فلِمَ لا يجوز اشتمال الإمامة على مفسدة لا نعلمها فلا تكون واجبة على الله تعالى؟
الجواب: أنّ المفاسد معلومة الانتفاء عن الامامة، لأنّ المفاسد محصورة معلومة يجب علينا اجتنابها أجمع، وإنّما يجب علينا اجتنابها إذا علمناها لأنّ التكليف بغير المعلوم محال، وتلك الوجوه منتفية عن الإمامة فيبقى وجه اللّطف خالياً عن المفسدة فيجب عليه تعالى، ولأنّ المفسدة لو كانت لازمة للإمامة لم تنفك عنها، والتالي باطل قطعاً، ولقوله تعالى: (إِنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمامًا) وإن كانت مفارقة جاز انفكاكها عنها فيجب على تقدير الإنفكاك.
الثاني: قالوا: الإمامة أنّما تجب لو انحصر اللطف فيها، فلِمَ لا يجوز أن يكون هناك لطف آخر يقوم مقام الإمامة فلا تتعيّن الإمامة لِلّطفيّة فلا يجب على التعيين؟
والجواب: أنّ انحصار اللّطف الذي ذكرناه في الإمامة معلوم للعقلاء، ولهذا يلتجئ العقلاء في كلّ زمان وكلّ صقع إلى نصب الرؤساء دفعاً للمفاسد الناشئة من الاختلاف.
الثالث: قالوا: الإمام إنّما يكون لطفاً إذا كان متصرّفاً بالأمر والنهي، وأنتم لا تقولون بذلك، فما تعتقدونه لطفاً لا تقولون بوجوبه وما تقولون بوجوبه ليس بلطف.
والجواب: أنّ وجود الإمام نفسه لطف لوجوه، أحدها: أنّه يحفظ الشرائع ويحرسها عن الزيادة والنقصان. وثانيها: أنّ اعتقاد المكلّفين لوجود الإمام وتجويز انفاذ حكمه عليهم في كلّ وقت سبب لردعهم عن الفساد ولقربهم إلى الصّلاح، وهذا معلوم بالضرورة. وثالثها: أنّ تصرّفه لا شكّ أنّه لطف ولا يتم إلاّ بوجوده فيكون وجوده نفسه لطفاً وتصرّفه لطفاً آخر.
والتحقيق أن نقول: لطف الإمامة يتم بأُمور:
منها: ما يجب على الله تعالى وهو خل الإمام وتمكينه بالقدرة والعلم والنصّ عليه باسمه ونسبه، وهذا قد فعله الله تعالى.
ومنها: ما يجب على الإمام وهو تحمّله للإمامة وقبوله لها، وهذا قد فعله الإمام.
ومنها: ما يجب على الرعيّة وهو مساعدته والنصرة له وقبول أوامره وامتثال قوله، وهذا لم تفعله الرعيّة، فكان منع اللطف الكامل منهم لا من الله تعالى ولا من الإمام(1).
ثم إنّ ظاهر إطلاق «وحجته» كون الأئمّة حججاً لله على جميع الخلائق.
(1) كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد: 388.